المراقب للإجراءات الإحترازية التي اتخذتها المملكة في وقت وجيز جداً لمواجهة فيروس كورونا، حتى سبقت المملكة في اجراءاتها القارة الأوروبية والأمريكية، وعدد المصابين الذي تتم متابعته بشكل لحظي، ويتم الإعلان عنه بكل شفافية سواءً على مستوى الجنس والجنسية والمنطقة الإدارية وجهة القدوم، كل هذا وغيره من القرارات التي تصدر بشكل عاجل، يجعل المواطن يقف فخراً واحتراماً واعتزازاً بقيادة بلاده، وقيادات الأجهزة الحكومية ذات العلاقة من لجان وفرق عمل وغير ذلك من الجهود. من قراءتي المتواضعة، فإن استشعار الخطر والتعامل الاستباقي معه، غاية في السرعة وبدون تردد، واضعاً صحة كل من يقف على أرض المملكة فوق كل اعتبار.

وفي خضم هذا التعامل السريع والحازم من قبل جهازنا الحكومي، تبادر إلى ذهني سؤال أحرجني يتمثل في أشكال “الكورونا”، وهل تهدد صحة الإنسان ووجوده ككائن حي فقط؟ بمعنى آخر، أليست تأتي “الكورونا” بأشكال أخرى تصيب بعض الأنشطة الإقتصادية فتفتك بالمنشآت الواحدة تلو الأخرى مهلكة إياها. في رأيي، وبجانب أثر كورونا الحالي على الإقتصاد، شهدنا ولا نزال “كورونا” بأشكال أخرى تضرب بعض أنشطة منشآتنا الإقتصادية مما يضطر هذه المنشآت من اتخاذ اجراءات احترازية بخفض التكاليف وتشمل تسريح الموظفين وذلك في أحسن الأحوال. أما المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فإنها قد لا تدرك حجم “الفيروس” حتى تتفاجأ بحجم المنافسة غير العادلة، أو تعطل شحناتها، أو ارتفاع مفاجيء في تكلفة الإنتاج بسبب قرارٍ يؤدي لزيادة التكاليف، أو نظام جديد أو تعديل في نظام يستدعي تراخيص وتكاليف جديدة أو غير ذلك من أشكال كثيرة جداً لهذا “الفيروس” الذي يضرب فيفتك بالشاب أو الشابة مخرجٍ إياه أو أياها من سوق العمل كموظف أو كصاحب عمل، ناهيك عن عزوف أو تباطؤ حركة الإستثمار أو هروب رأس المال المحلي والأجنبي.

وفي ظل التحليلات الكثيرة التي اشغلت العالم في كيفية ظهور كورونا الجديد، وهل هو تطور طبيعي أم عمل مخبري خرج عن السيطرة، أو نظرية المؤامرة القديمة، فإن “الفيروسات” التي تضرب بعض الأنشطة الإقتصادية تخضع لذات التحليلات. إلا أن بعض “الفيروسات” موجودة في الإجراءات الطويلة، أو المتعددة والكثيرة، أو في بحبوحة تغيير الإجراءات والأنظمة، أو في انفتاح السوق واستيعابه لكل بضائع العالم، أو حتى في مشروع حفر شارع، مما يؤدي لخروج المنشآت التجارية المحاذية لمشروع الحفر من السوق تماماً خلال عام أو أقل.

لن أخوض في أعداد وأرقام المنشآت التجارية والصناعية والخدمية التي خرجت من سوق العمل لتحديات كثيرة واجهتها، ولا عدد المنشآت التجارية التي كُتب على واجهاتها “للتقبيل” أو “للإيجار” أو مبالغ الدين على المنشآت الخاصة، أو المنشآت المتعثرة، فذلك موجود وتعلم به الجهات القائمة على الأنشطة الإقتصادية بالتفصيل. ولعلمي اليقين بأن أجهزتنا الحكومية وضعت تحديات القطاع الخاص على الطاولة بعد أن حصرت الكثير منها، ووضعت القطاع الخاص وتمكينه أمام عينيها، وكل ذلك بتوجيهات قيادة بلادنا، حتى رأينا أن عنوان البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي ٢٠٢٠ يحتوي عبارة غاية في التعبير وهي “كفاءة الإنفاق…وتمكين القطاع الخاص”، وأعلم يقيناً أن ما من جهاز حكومي يرتبط بالقطاع الخاص إلا ويسعى هذا الجهاز ليل نهار لتذليل التحديات ومنح الممكنات لتحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ والتي يشترك فيها القطاع الخاص.

يكمن التحدي الأكبر اليوم في زمن مكافحة التحديات أو “الفيروسات” وتحويلها إلى ممكنات للقطاع الخاص والمزيد من ربط الجهات والقرارات بعضها ببعض. بصورة أوضح، هي كفترة اكتشاف الدواء وحقن المريض به. إن الزمن الطويل الذي يستغرق أشهراً ويتعدى العام في بعض الحالات لتصحيح الوضع بإصدار قرار أو الغاءه أو تعديله أو غيرها، قد لا يواكب تغير الأحداث العالمية من جهة، ولا قدرة منشآت القطاع الخاص على تحمل “المرض” من الجهة الأخرى. فترى بعض منشآت القطاع الخاص تمرض ومن ثم تهوي لمصيرها الواحدة تلو الأخرى. وعند إطلاق “اللقاح” عبر تعديل نظام أو الغاء أو اصدار قرار، إما أن يكون “الفيروس” قد تطور، أو صحة المنشأة تدهورت حد العجز، أو تغيرت الظروف العالمية تماماً.
ولتوضيح وجهة نظري، وعلى سبيل المثال، فما كنا نعاني منه سابقاً من منافسة غير عادلة لجودة وأسعار الكمامات الطبية وسوء جودة لوارداتنا من بعض الدول مثل الصين، تحول اليوم إلى معاناة في الإنتاج المحلي المنخفض جداً من هذه المنتجات، لأن الصين ببساطة تحتاج إنتاجها المحلي الجيد والرديء من جهة، وقد أضرت بصناعتنا سابقاً من جهة أخرى. وهذا ما أعنيه بتطور “الفيروس”. وإذا لم نعالج هذه الحالة الآن وبشكل عاجل، ستنتهي أزمة كورونا الصحية، ثم تغرقنا الصين بفائض إنتاجها من الكمامات الطبية الرديئة وبأسعار غير عادلة، مما سيوقف خطوط إنتاجنا من جديد، بعد أن رفعت مصانعنا الوطنية إنتاجها للحد الأقصى واقترضت مبالغ لذلك، وهذا ما أطلق عليه تطور “الفيروس”.

إننا نحتاج إلى تطبيق إدارة أزمة كورونا بذات السرعة في مكافحة “الفيروسات” التي ضربت وتضرب منشآتنا الإقتصادية بما في ذلك أثر كورونا نفسه على الإقتصاد. بمعنى آخر، نحتاج إلى إنشاء غرفة عمليات عاجلة عندما نعلم بأن هناك “فيروساً” في طريقة، أو أصبح فعلاً يضرب نشاط اقتصادي محدد. غرفة عمليات من شأنها أن تُخرج لنا القرارات خلال ساعات أو أيام لا تتجاوز الأسبوعين لتنقذ نشاطاً محدداً من أنشطتنا التجارية أو الصناعية أو الخدمية.
هناك الكثير من الدروس نستخلصها كل ساعة من فيروس كورونا. ولعلي أشير بكلتا يدي نحو الإجراءات الإحترازية التي نحتاج إليها لننقذ منشآتنا الإقتصادية من فيروس كورونا نفسه، حيث أن منشآتنا الإقتصادية وأنشطتها لا تقل أهمية عن صحة الإنسان، حيث نشهد اليوم تحركاً كبيراً من الدول لتنفيذ حزم من الإجراءات الإحترازية لتخفيف الضرر عن منشآت القطاع الخاص مثل تأجيل سداد بعض أنواع القروض، وتخفيض في بعض الرسوم الحكومية، وخفض أو الغاء ضريبي، وسداد مستحقات القطاع الخاص خلال ١٠ أيام بدلاً من ٦٠ يوم حتى يواجه الأزمة، ودعم مالي للمنشآت التي اضطرت لإيقاف أنشطتها جزئياً أو كلياً مثل المنشآت التعليمية والسياحية وغيرها من الإجراءات التي يحتاجها جسم الإقتصاد تماماً مثل جسم الإنسان حتى يبقى معافاً.

وأخيراً، فمن وجهة نظري المتواضعة، فإن برامج رؤية المملكة ٢٠٣٠ غاية في الروعة، والأروع هو قدرة المملكة على اتخاذ القرار بحزم وشفافية ومرونة. وأنا شخصياً متأكد، بعد توفيق الله عز وجل، بأن سمو سيدي ولي العهد حفظه الله، ورجالات بلادنا من قادمة المنظومات، سيتخذون كل ما يلزم لتمهيد الطريق للقطاع الخاص، حتى تتحقق مستهدفات الرؤية كما هو مخطط لها. وأن المسافات الزمنية الطويلة التي تستغرقها صناعة بعض القرارات، سيحولها سمو سيدي ولي العهد، حفظه الله، إلى لحظات مبنية على إجراءات سريعة جداً بإذن الله تعالى.