قدر الله الكريم أن يختبر أمي وأعتقد أن مرضها قدر لي ولإخوتي أكثر منها ليختبر صبرنا وقوة أيماننا أنهك المرض جسد أمي وعلى أثره أدُخلت المشفى بحالة شبه حرجة ولكم أن تتخيلوا أن يقال لي أن وضعها الصحي غير مطمئن وقد يؤدي أي تدخل جراحي الى فقدانها ” يالله أسالك الرحمة ” جملة عندما سمعتها وقفت عقارب الساعة برهه من الزمن وتجمدت الدماء في عروقي وفجأة شريط الذكريات يمر أمام عيني .. أمي ملكة الابتسامة الدائمة صاحبة البأس القوي وصاحبة الإرادة والعزم طريحة الفراش وبحالة حرجة ” يالله يالله الصبر ” فجأة تصبح يدي وأيدي أخوتي هي من توقفها وتمسك بيدها كالطفلة الصغيرة في أولى خطواتها ونخاف عليها أن تتعثر وتسقط ( لمَ تجعلنا نسقط يوماً ) وفجأة تصبح عبارات أمي غير مفهومة… صعبة… تتمتم بكلمات خالطها ألم وآهات لا نفهم ماذا تقول أو ما تريد أو مما تشكو كمناجاة غريق لسماع كلمة إنقاذ واحدة كم فقدنا صوتها و …” يالله نسألك اللطف الخفي ”

فجأه يصبح العالم كله في نظري أمي لم أعد أرى في هذا الكون سوى سلامة أمي وما دون ذلك غير مهم تلخصت كل أمنياتي بأمنية واحدة وكل دعواتي لله سبحانه وتعالى في دعوة واحدة وهي شفاؤها وأن أسمع صوتها من غير تنهيدات وألم وأن أرى ضحكتها ترسم محياها كما أعتدنا دوما وأراها واقفة أمامي ثابتة الخطوات الحصن الكبير الذي طالما كان أمن من تقلبات الزمن .

وحينما مرضت أمي أصبحت أنا الأم بخوف حين كانت لنا الأم بحب الأم لها وهي طفلتي الصغيرة الجميلة المدللة .. أنام معها على السرير الأبيض واحتضنها في الليل ( الزمن يعيد الصورة للوراء يقلب المشاهد والمشاعر بحرقة) لأبعد عن قلبها الخوف ووحشة غرفتها وأقص عليها حكايات وقصص مثلما كانت تفعله عندما كنا صغارا وكنت أهمس في أذنها كلمات غزل أميرتي جميلتي حبيبتي سيدة عمري ” فاتنتي ” واثقة أنها تسمعني وتعي ما أقول وهي غافية كملاك .. أنها ابنتي وطفلتي وأني أنا أمها كما كانت تقول لي دائما .

وحينما مرضت أمي ‏وعلمت أن مرض الأم وجع يقتص من عافية أبنائها تعلمت أن الأبناء هم العون والسند بعد الله سبحانه وتعالى لمه أخوتي وأخواتي كالعقد حول أمي كانت تشعرها بالأمان والطمأنينة وهذا ما أراه في عينها وحركة جفنيها عندما نجتمع حول سريرها وهي مغيبة نتناوب رعايتها ونحلل ما قاله الأطباء ونراقب طرقات ونوافذ الأمل ونسأل ذوات الرداء الأبيض ونبحث في قوقل مصطلحات طبية لنتعمق أكثر تارة نبكي وتارة نشد من أزري بعض ونتشاجر أحيانًا هل تحس ببرد أم حر هل عطشة هل وهل ….! نتلو على رأسها أيات الذكر والتحصين ونستودعها الله كل ثانية ونتقاسم ساعات البر ” مألذ البر ”

ها أنا اليوم أقول لك قومي أمي انفضي عنك هذا المرض وأطردي عنك الألم يا أمي قومي .. بيتك ينتظرك ولك أخوات وأخوان وصحبة ومعشر وسيرة عطره لكل من عرفك اجتمعت على حبك تدعو لك بالشفاء كل يوم ولك أبناء وأحفاد أنت لهم الحياة ينتظرون عودتك بفارغ الصبر وقلب متلهف لضمك وعيون أبي تروي الكثير ” نور البيت ”

حقيقة اكتشفتها خلال مرض أمي وهي أن وقت الشدائد والضيق تثبت لك الأيام صحبة وأصدقاء لم تكن تتوقع وجودهم في حياتك يومًا اكتسبت كنوز دنيا كانوا عونًا وموثقًا تعلمت أن شدائد الحياة كما فيها من ضيق وألم يقابلها احتساب وأجر قال تعالى {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

اللهم اشفِي أمي ولا تطل الشِده عليها وأجعلها بأفضل حال يارب العالمين واشفها شفاءً لايغادره سقماً ولله الحمد والفضل والشكر على كل ما نحن عليه اللهم أكتبنا من البارين المصلحين بوالديهم دعواتكم ..