مرارة الفقر واليتم تعقبها حلاوة الشهد وطيب القطاف، ماليئ الصحافة وشاغل الناس أستطيع أن أطلق هذا الوصف على الدكتور حمزة بن قبلان المزيني هذا الوصف بعد قراءتي لسيرة حياته التي نشرها في كتابه” واستقرت بها النوى”، فهو رجل مثير ومثري في كتاباته رغم شخصيته الهادئة التي تميل إلى التصالح مع الآخرين، وفي كتابه ذاك لا يتحدث إلا في الأمور التي يفهمها ويستطيع أن يجادل فيها، وهذه من سماته التي أكسبته قوةً في الطرح العلمي والموضوعي بعيداً عن التعصب للرأي، ولكنه في ذات الوقت يتميز بالتمسك بالرأي إذا كان مقتنعاً به وإن كان مخالفاً للنسق الثقافي للمجتمع.مثل سلسة مقالاته عن مواقيت الأهلة ودخول مواسم العبادات، وأيضاً إلغاء المواعظ في قسم اللغة العربية بعد الصلوات حينما كان رئيساً للقسم حينما رأى أنها تسير في طريق لا يُجدي، وكذلك عدم الصلاة في بعض المساجد المؤدلجة سياسيا أو دينيا حينما كان مبتعثاً للدراسة خارج المملكة، وغير ذلك مما تطرق له بصدق يعكس مدى ما يتميز به من قدرة على السيطرة على مشاعره وشعوره تجاه الأحداث من حوله والتصرف وفق قناعاته التي ربما لا ترُق للتيارات المؤدلجة؛ ولإيمانه أن الحقائق ستظهر بعد حين، وسيظفر من سَلَّح نفسه بالعلم كما فعل هو في رحلة كفاحه العلمية التي لم تخلُ من صعوبات وتحديات.ولم يُضعْ وقتَه في التُرهات والتوافه.

وعلى الرغم من كل إنجازاته العلمية والإدارية فإنه ينطبق عليه القول المأثور “رحم الله امرئً عرف قدر نفسه”؛ فهو يعترف أنه لا تستهويه المناصب الإدارية ولا الدبلوماسية، ولا تناسب أهدافه المحددة سلفاً ومعظمها تتجه نحو البحث العلمي.
قد قبل ببعض المناصب وفق ظروف معينة تحدث عنها بالتفصيل.

وفي الكتاب تظهر أهمية التوثيق والتدوين بأشكاله المختلفة، وهو ما يجعل كتبه الأخرى ومقالاته تتميز بذلك من حيث الدقة في الاستشهاد وإثبات المصادر والمراجع، مما ساهم في إثراء المكتبة العربية بالعديد من مؤلفاته وبحوثه ومقالاته وجمعها في كتب متاحة للفائدة كما فعل حينما جمع مقالاته وأطروحاته التي صدرت في كتب متنوعة مفيدة.

ومما يلفت النظر في سيرته التي تضمنها كتابه آنف الذكر العزيمة والإصرار على تجاوز تحديات الحياة العلمية والحياتية الصعبة، فلم يمنعه اليتم في مقتبل العمر عن تحصيل العلم، ولا تعثر الدراسة في بريطانيا عن اختيار أمريكا كقرار بديل أثبت نجاحه فيما بعد، والإصرار على تعلم اللغة الصينية حينما كان ملحقاً في تايوان، كذلك انتقاله من الكتابة اليدوية إلى الطابعة ثم إتقانه للكتابة على الحاسوب باللغتين الإنجليزية والعربية. وكذلك تعلمه لكيفية كتابة رسائل الجوال وقتذاكمستعينا بابنته(مشاعر).

ومما يفخر به الدكتور حمزة المزيني ومحبوه هو تفوقه الدراسي والبحثي، وترشُح رسالته للدكتوراة كرسالة مميزة في جامعة تكساس أوستن، ومثابرته المستمرة في سبيل التحصيل، وعطاؤه العلمي الذي لم ينقطع حتى اللحظة.

ومع أن الدكتور حمزة يبدو تصادمياً مع التيار الديني، ويبدو تغريبياً في نظر منتقديه ولكنه ليس كذلك بكل تأكيد، فسيرة حياته (لمن يعرفه) محافظة وتميل إلى التدين، وماقام به من خدمات للغة العربية ولبلاده يفوق ماقدمه البعض ممن يتشدقون بالدين وبحب اللغة العربية ولا همّ لهم إلا انتقاد هذا وذاك؛ فالعبرة بالإنتاجية وتقديم ماينفع العباد والبلاد. وربما تشكلت هذه النظرة (العدائية أحياناً) لأنه لا يجامل زملاءه في ردوده ولا في أطروحاته ولا يجامل المبرزين في المجتمع، فهو يقول رأيه دون هوادة؛ ويظهر ذلك ردوده على د/الهويمل ود/الغذامي ود/التركي وغيرهم، بل وعلى جامعته الملك سعود، ولا يمنعه كل ذلك من الأدلاء برأيه، ومما يلفت النظر في ردوده أنه يركز على الصواب أحياناً من خلال تركيزه الظاهر على الخطأ دائماً ويظهر ذلك من خلال تتبعه لما يكتبه بعض الدعاة من أقوال واستفتاءات ليثبت أنها ليست صحيحة حتى ولو كانت غايتها حسنة.

ومما يميزه كذلك التحلي بالأخلاق الفاضلة حتى مع خصومه، فهو يثني عليهم ويذكرهم بخير رغم كل ما كان بينهم من اختلافات وخلافات.

ومما يميز سيرته العطرة وفاؤه الملحوظ لوالدته ووالده ولعائلته وإخوته تحديداً ولأبنائهم ويظهر ذلك من مواقفه العملية معهم ومن ذكر محاسنهم على الدوام، وعلاقته الحميمية مع أسرته الصغيرة ووفاؤه لزوجته(هالة) وأبنائه. وقد انطوت سيرته على قدر كبير من الشفافية والصراحة والوضوح، فهو لا يضع نفسه في غير موضعها، ولم يستنكف من ذكر الأحداث التي مرت به في حياته من يُتم وفقر وإخفاقات وإيقافه عن الكتابة الصحفية، بل تناولها كما هي بكل مصداقية، ويظهر ذلك أيضاً من خلال عرضه لصورة والدته وأشقائه وبناته الصغيرات رغم تحفظ المجتمع الذي يعيش فيه على مثل هذه السلوكات والقناعات.

وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع أفكار الدكتور حمزة المزيني (الأستاذ الجامعي للسانيات في جامعة الملك سعود والكاتب الصحفي المعروف) فإننا نشيد بهذا الكتاب أسلوباً ومضموناً، وندعو جميع من ألقى عصاه واستقرت بها النوى أن يكتب سيرته لتكون نبراساً للأجيال من بعده.