قرأت في أحاديث كثير من الشخصيات الحالمة، ذات الاروح الطموحة لغة الإصرار والتحدي، والتي تقودهم الى الاستمرارية والمتابعة، الا ان تلك الشخصيات انقسمت من حيث طبيعتها إلى قسمين، منها من يسير على خطى ثابتة وهدف معلوم، ومنها من يتبع سراب وهو يعلم انه سراب؛

السراب ظاهرة ضوئية معروفة لدى الجميع في معناها الظاهري، لكنها في الواقع قد لاتزال سراب معرفي عند الكثير، حتى انهم يعيشونها على المستوى الشخصي في اللاشعور، حيث تتمدد هذه الظاهرة في الإنسان بشكل خفي، تبرمج تصرفاته وتؤثر في قراراته دون وعي كامل منه بوجودها وبما سيترتب على حياته من نتائج استمرارها، ذلك تحت ظل الأوهام التي يتمسك بها لإشباع حاجاته،

الإنسان بطبيعته يميل الى كل ما يتفق مع قناعاته واهواءه، والتي ليس بالضرورة ان تكون صحيحة أو متسقة مع هويته وامكانياته وقدراته، سواء على المستوى الشخصي او الاسري او المهني، وقد تكون تلك الأوهام ايضاً ذات اتجاه معاكس لمسار حياته الصحيح، أو بالأصح مسار واقعه الفعلي، وبالرغم من ذلك تجده يستمر فيها، بل ويصنع منها عالم متكامل الأركان، يتعايش مع تفاصيله ويبدع في تخطيطه، يتمسك بذلك العالم اشد من تمسكه بواقعه، وقد يقاتل من اجله، وبالتالي لاشك انه سيبني كذلك على تلك الأوهام قرارات قد تكون مصيرية، على أمل الوصول لهدفه }حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا{؛
ذلك حال كثير من الشخصيات التي تمارس الهروب من الواقع إلى السراب؛ تتشبث به كنافذة أمل لحياة يرجونها، ذلك لا يعني على الاطلاق فشل في حياتهم، أو نقص يحتاج الى الكمال، قد يكون طموح يفوق واقعهم، يحاولون أن يتخذوا له مسارات حيوية خارجه عن المألوف، إلا أن تلك المسارات التي يلجؤون اليها بكل اسف، مسوّرة بسياج الواقع الذي لا مفر منه الا اليه، فالهروب الى السراب ليس الا سراب، يشكوه صاحبه بعد فوات الأوان، لذلك كان لزاماً على الشخصيات الحالمة، أن تحرص على تحقيق التوازن بين العقل الواعي والعقل الباطني، وتصمم مساراتها المستقبلية بأفكار أكثر موضوعية لا تتمحور في حنايا شخصياتهم فحسب، كذلك يجب ان تكون منطقية يقبلها الواقع ويمكن تحقيقها، فتلاشي نتائج الخطط الوهمية، سيكون اسرع من تلاشي صورة الماء التي يعكسها لنا ضوء الشمس على الأرض تحت تأثير شدة الحرارة عند الاقتراب منها.

مسك الختام:
الاستمرار في اتباع السراب، فاقد زمني لا يسهل تعويضه، نستطيع ان نحقق طموحاتنا بالتركيز على الحقائق، واستثمار معطيات الحياة لتجديد قدراتنا الكامنة في ظل الأوهام.