الأمة كلما أوغلت في التحضر تخلّت عن المميزات القبلية التي من أبرزها النسب كما يذكر علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله والذي ألف عدة كتب في ذات السياق مثل كتاب(معجم قبائل المملكة العربية السعودية)، وكتاب جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد) وكتاب(نظرات في اختلاط الأنساب وتداخلها).

وكانت القبيلة في السابق تحافظ على رابطة النسب لحاجتها إليها لحمايتها من قرصنة القبائل الأخرى، ولحاجة أفرادها إلى الانتماء والانضواء تحت لواء قبيلة يعتزون بمكانتها إن كانت من أصحاب الشأن.

وكان ذلك في وقت تحتاج فيه القبيلة إلى نسيجها الداخلي للحماية والشعور بالأمان على الدوام في عهود مضت يُغير فيها القوي على الضعيف ويسلب ماله. ولكن بعد استتباب الأمن وانحسار مسببات الخوف وبسط الدولة لهيمنتها في عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله أصبحت القبيلة في غنى عن مبررات الحماية من القبائل الأخرى، ولهذا فإن أعرق القبائل تحضرا جهلت أنسابها بعد أن رأت أنه لا حاجة إليها.

وقد يتخلي الإنسان عن قبيلته ويتجرد من اسمها لأسباب عديدة من أبرزها الاندماج في مجتمع حضري تلجئه الحاجة إلى الاندماج فيه وربما مارس مهنة من المهن التي تترفع عنها العرب، أو يهرب من قبيلته نتيجة وجود ثأر أو جناية ارتكبها واضطر للتخفي بسببها فيتجرد من قبيلته ويندمج في مجتمع جديد، وثمة أسباب أخرى كوجود قصة عشق أو حب بين أفراد القبائل المختلفة وينتج عنها مصاهرة غير متكافئة النسب وينضوي العاشق أو العاشقة في مثل هذه الحالات تحت لواء قبيلة الحب تاركاً خلف ظهره اسماً كان يقاتل من أجله يوماً ما.

وطبعا مع ملاحظة وجود موالي وافدين من خارج البلاد ذوو بشرة تميزهم عن غيرهم ينضوون تحت لواء المجتمع القبلي ومع طول مكثهم في البلاد ومع قبيلة معينة يصبح لهم حق المواطنة مثل الجميع.

والحقيقة أن الفخر بالقبيلة والأنساب والطعن بالقبائل الأخرى من خُلق الجاهلية التي قضى عليها الإسلام، ولكن المتتبع للحياة العامة حالياً يلحظ عودة قوية لمفهوم القبيلة خصوصاً مع ظهور المنتديات الالكترونية قبل سنوات، ونشطت هذه النزعة أكثر مع ظهور الجوال ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.

وإلى هذه الأسباب يعزو الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه ( القبيلة والقبائلية) تفشي وعودة مفهوم القبيلة كمدلول ثقافي يعكس فكر معين، ليس بالضرورة في إطار القبيلة كما هو في مجتمعنا، ولكن قد يكون مفهوما دينياً كما هو الحال عند المجتمعات الغربية، وتعصبات كثيرة ليس المجال لحصرها، ساهمت التقنية الحديثة في رواجها في مجتمعات بلغت شأواً في العلم والحضارة بكل أسف.

وقد يتفاجأ الأب بتعصب ابنه للقبيلة بشكل لم يكن موجودا لديه هو بعد استتباب الأمن كما أسلفنا ، وبعد انتفاء الداعي لهذا التعصب، ومن هنا تبرز الأسئلة العريضة:

ماسر عودة التعصب القبلي لدى الجيل الجديد؟

هل لمسابقات الشعر الشعبي التفلزيونية دور في ذلك من خلال حشد أصوات التصويت لشاعر القبيلة؟

هل للشيلات أثر وتأثير في هذا التعصب (خصوصاً الشيلات التي تمجد القبيلة)؟

أم أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في رواج التحيز للقبيلة بعد ظهور القرصنة القبيليّة الالكترونية كبديل لغارات القبائل على بعضها في زمن مضى؟!

أترك الإجابات لكم، ولكن أياً يكن تذكروا أنها عصبيّة منتنة أبدلنا الله خيراً منها، ولكن الحديث ذو شجون.