من الطبيعي أن تتغير الأفكار وتندمج المجتمعات وتتعايش مع بعضها البعض وتقبل بالواقع إن كان ذلك يقودها إلى الخير والسلام، من الطبيعي التسليم ومباركة التحديث ومحاولة اللحاق بركب السائرون نحو المستقبل، من الطبيعي عدم الاصطدام ووضع العراقيل والعقبات فالنفس البشرية جُبلت على الهدوء والسكون لكن إذا لم تتعرض لصدمات توقظها فسيحل بها الندم بعد مدة ليست بالقصيرة.

من الطبيعي كل ذلك وأكثر ومن الطبيعي بقاء أفكار قديمة تحاول أن تبقى مسيطرة على الفضاء الاجتماعي وهذا ما يمكن تسميته بالصراع الذي يسبق الموت إلى الأبد، لكن ليس من الطبيعي الاستسلام لأفكار الأمس والتي كانت سبباً في التأخر والتأخير والحرمان والضياع والتدجين الثقافي، ليس من المعقول الاستسلام بعد معركة حاسمة مع الظلام فالظلام بدأ ينحسر والاستسلام لبقاياه يعني العودة للمربع الأول والإصابة بأمراضِ لا يُرجى برؤها، بعد عقود طويلة من معاملة المرأة ككائن مُستعمل خلق من أجل الرجل ووضعها في مرتبة دونيه تحول الوضع فالمرأة اليوم ليست كأمرأة الأمس هي في ذات مرتبة الرجل تعمل وتتعلم وتساهم في الحياة البشرية وهذا هو الأمر الطبيعي فالحياة لا تقوم إلا على اثنين وليس على فردِ واحد يتحمل كل شيء، خلق الله آدم وحيداً لكن بعد مدة لا يعلمها إلا الله خلق له إمرأة تؤنسه وتقف بجانبه فأمامهما حياة جديدة بعدما كانا لا شيء، أعتقد أن علينا إعادة فهم وتركيب العلاقة بين الذكر والأنثى فهماً وتركيباً دقيقاً فلا يُكتفى بإتاحة الفرصة أمام النساء للعمل والتعليم بل بإعادة تركيب الواقع القديم بما يتوافق مع المستقبل الجديد، في الماضي كان الرجل مسؤولاً عن كل شيء يحترق من أجل تكوين أسرة سعيدة يفني شبابه من أجل سعادة أسرته، كل شيء كان يقع على الرجل وهذا لم يعد صالحاً فالمرأة شريك وبسبب إقصاءها عن الحياة وتحمل الرجل لكافة أعباء الحياة ولدت أجيال ذات أفق ثقافي ضيق وذات هشاشة فالمرأة ضعيفة أو بالمعنى الصحيح أُضعفت حتى باتت تتحمل العنف الأسري من أجل البقاء بكنف ذكر فالعنف ولا الانفصال ففي الأولى حياة وفي الثانية دمار وهلاك، هذا ما كان سابقاً، الأم الضعيفة تُنجب أجيالاً ضعيفة خائفة لا تقوى على الصمود ومواجهة الحياة بمفردها، نحن اليوم أمام تغيرات مثيرة فالرجل القديم بدأ يحتضر وهناك رجل جديد ينتظر أن يدخل معترك الحياة فأمامه رجل قديم شبه ميت وامرأة جديدة ذات طموح وحضور لم يكن في السابقات الأوائل والفضل للعقل الذي فكر وقدر الأشياء ووضعها في موضعها الصحيح، لكي تتحسن الحياة البشرية خصوصاً الحياة بين زوجين لابد أن تقوم الحياة على الشراكة فنحن في زمن المتغيرات والبقاء للأقوى، يجب على الزوجة أن تشارك زوجها في كل شيء في أفكاره في طموحاته في أعباء الحياة اليومية ، يجب أن تكون عاملة لا عالة تعمل تشارك في المنزل وبناء الحياة فالحياة الزوجية قائمة على الشراكة في كل شيء بلا استثناء، لم تتزوج المرأة من أجل المأكل والمشرب والرجل لم يتزوج من أجل المأكل والمشرب بل جميعهما ارتبطا من أجل الغريزة وهذه هي الفطرة السليمة، يجب إعداد الجيل القادم أعدادا جيداً فزمنهم ليس بزمننا فيكفي استنساخاً للأعوام والقرون الماضية.

قد يقول قائل النفقة واجبة على الزوج وهذا قول فقهي له وجاهته لكن في أمور الحياة الزوجية يكون العُرف المجتمعي هو القاعدة، لم يعد العرف المجتمعي مقبولاً في ظل المتغيرات الفكرية والاقتصادية والثقافية فهو عُرف ارتبط بحقب زمنية وحل محله القانون وتغيرت وتيرة الحياة وايقاعها، العرف في سنوات كان ينص على أن المرأة تطبخ وتقوم بجميع شؤون المنزل وتغطي وجهها الخ أما اليوم فيحق للمرأة أن تختار ما يناسبها من زي ويحق لها العمل والتعلم الخ، هنا نقول أن العُرف الاجتماعي الحالي ليس كالعُرف السابق فقد حل عُرف أخر قد سبقتنا إليه دول إسلامية فالمرأة تشارك في كل شيء حتى في طريقة تزويجها وبناء عش الزوجية فالمرأة هناك شريكة بالفعل وليست كائن يُجر لبيت الزوجية جراً.

لنبدأ في ترميم الواقع لنخرج بأقل الخسائر فالجيل القادم يجب أن يكون جيلاً مختلفاً لأن واقع اليوم مختلف، رجال ونساء اليوم انتم أمام واقع جديد متغير سيكون مستقبله مختلفاً عن ماضيكم القديم يجب أن تبدأو في تعلم المهارات وتطوير ذواتكم لتلحقوا بالقافلة لا تلتفتوا للأصوات الظلامية أو للخسائر السابقة علموا بناتكم وابنائكم أن الحياة شراكة في كل شيء وليست معادلة نتيجتها رجل كادح وامرأة نائمة أو رجل نائم وامرأة كادحة من أجل أبنائها، غيروا معادلات الماضي ولا تورثوها لكي لا تسحق أبنائكم الحياة بعجلاتها الفولاذية.