بعيداً عن التنظير والمديح والأحلام الوردية لماذا نحنُ لا نصنع ولا ننتج شيئاً؟

هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه منذ زمنِ قديم فالعرب من المحيط إلى الخليج العربي أمة تستهلك أكثر مما تُنتج وإن أنتجت فإنتاجها ضئيل زراعياً وصناعياً والإنتاج الصناعي خفيف وليس بثقيل بمعنى صناعاتِ خفيفة وليست ثقيلة كالطائرات والسيارات إلخ، في القدم كانت العرب أمة تعتمد على نفسها بغض النظر عن الأخطاء التي وقعت فيها من الناحية الاجتماعية أو الثقافية أو الفكرية الخ فالتاريخ يقول وبشهادة المستشرقين أن العرب كانوا قبلة للعلوم والإبداع المعرفي فقد تميزوا في علوم الفلك والطب والهندسة والرياضيات والترجمة، وقد دون عدداً من المستشرقين تلك الجهود المعرفية العربية في مؤلفات حيرت العقل الغربي والعربي في العصر الحالي فالعقل العربي يقول كُنا والعقل الغربي يقول لماذا كانوا ولم يعودوا!
من أكثر المؤلفات شعبية والتي تحدثت عن العرب كأمة ذات طموح ثقافي ومعرفي وأمة حققت الكثير في ميادين العلوم المختلفة كتاب شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه والذي صدر في العام ١٩٦٢م تقريباً وكان عبارة عن رسالة لنيل شهادة الدكتوراة بعد بحث استمر لعدة سنوات، ذلك الكتاب آثار ضجة واسعة في ألمانيا وأوروبا علقت عليه الصحف والمجلات آنذاك.

من قرأ في تدوينات المستشرقين سيجد أن العرب لم يرتقوا لتلك المرحلة إلا بسبب حبهم للعلم والمعرفة واندماجهم اجتماعياً مع الشعوب الأخرى فضلاً عن تشجيع العلم وتقريب العلماء من قبل السلاطين وإتاحة الحرية للتفكير والإبداع رغم وجود بعض الأزمنة التي كانت مظلمة لأسباب سياسية أيديولوجية لكنها لم تدم طويلاً آنذاك ، فالحضارة العربية حضارة سادت ثم تلاشت فالعلوم علوم عربية بدليل أن المبدعين كانوا عرباً مسلمين ومسيحيين ويهود وصابئة ولم يكونوا مسلمين كما يعتقد البعض ممن لوثت عقله الأيديولوجيا، العرب هم العرب بغض النظر عن أي انتماء ديني أو عرقي فهناك عرب من أصول غير عربية هكذا كانوا ولأنهم كانوا كذلك حملوا مشاعل النور فنشروا العلوم وابتكروا الآلات التي كانت تُصيب العقل الأوروبي آنذاك بالدهشة فقد كان الأوروبيين يطلقون على العرب لقب الكُفار لأنهم ليسوا من اتباع الكنسية التي وقفت ضد العقل والعلم والتفكير والتأمل، للإسلام دور في النهضة المعرفية وهذا لاشك فيه فالإسلام دين العقل فكم من أية كريمة خُتمت بالدعوة إلى التفكير لكن الدين وحده لا يكفي لتنطلق عجلة العلم، فالدين وقود روحي تختلف مستوياته من فردِ لآخر .

نحنُ لسنا كُسالى نحن نحب الأمجاد القديمة ونغفل عن المستقبل نتعارك حول قضايا هامشية وننسى الأهم والمهم، العرب كانوا مختلفين دينياً واجتماعياً لكنهم كانوا مُجمعين على أن العقل هو الذي يقدم الفرد أو يؤخره وكانوا ينظرون إلى الحياة بنظرةِ مختلفة فحققوا النهضة وتحولت بغداد ودمشق والقاهرة وتونس وقرطبة لقبلة يحج إليها من يبحث عن العلوم الهندسية والطبية والمكانيكية فهناك ابن سينا الفارسي والرازي وأبناء موسى بن شاكر الذين ابدعوا في علم الفلك والمكانيكيا وهناك الكثير والكثير من الأسماء اللامعة والتي لا يعرفها جيل اليوم فقد اشتغل بمشاهير السوشل ميديا وترك خلف ظهره مجد أمة سادت ثم بادت لأسباب قد لا نحصيها لاننا أمة تتحدث بعاطفة وتنسى البحث عن حلول بعدما تستهلك طاقتها في الحديث فأين كان العرب وأين صاروا بعد عقود من النور الذي أيقظ أوروبا في ذلك الوقت من التاريخ ..