إن من البيان لسحراً قولُ مأثور عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، في ذلك القول النبوي تحذيرُ من المُبالغة في الكلام لأن ذلك قد يُوقع البعض في فخِ لا يستطيعون الخروج منه، المبالغة في استخدام العبارات سمه بارزة للخطاب الوعظي فالجناس والطباق والسجع وجميع الأساليب البلاغية يستخدمها الوعاظ لشد انتباه الناس والايقاع بهم فالاذان تطرب والنفوس يُعجبها الكلام البليغ والقصص خصوصاً إذا كانت تُداعب الرغبات الكامنة في النفس البشرية.

الصحوة المسخ الفكري والحركة الفكرية الهجينة ذات التوجه السياسي نفذت من خلال القصص والمواعظ وحشر الدين في كل شيء، واستخدام التدين كمفردة ووسيلة لتطويع الناس فالتدين أن تكون مؤمناً بأدبيات الصحوة كافراً بغيرها مُصدقاً لرموزها مداهناً لغيرهم لأن المرحلة تقتضي المداهنة والمراوغة في نظر رموز تلك الحركة الفكرية المقيته، لولا الجهل وسذاجة عقل المُتلقي لم يكن بإمكان أفكار الصحوة أن تنمو وتترعرع وتنتشر في المجتمع السعودي الذي خسر الكثير بسبب تلك الأفكار وتلك الحقبة الزمنية التي لن تعود، سذاجة العقل صدقت القصص والروايات والمواعظ بمختلف أنواعها ومناسباتها فهناك قصص التائبين وقصص المُعذبين وقصص نزول الملائكة المؤيدة للمجاهدين وقصص استقبال الحور العين للمجاهدين، كل تلك القصص من تأليف واعظ غايتها التخويف والتبشير و مداعبة غرائز المراهقين بلذة الممارسة الجنسية الأخروية واستغلال حماستهم لتنفيذ الجرائم الإرهابية ؟

سذاجة العقل يقابلها لغة خطابية بليغة أستندت على الغرائز والخوف من العذاب بعدما صور وعاظ تلك الحقبة أن العذاب واقع ولن ينجو منه إلا من كان مؤمناً بهم وبما يقولون! سذاجة العقل ليست فطرة ولا طبيعة لكنها في المجتمع السعودي كانت بسبب التنشئة فالمتدين كائن مُقدس وتصديقه واجبُ فلحوم العلماء مسمومة والعقوبة الربانية ستحل على من يقول غير ذلك، التنشئة الخاطئة جعلت من الشباب وقوداً لصراعات كافرة لا منتصر فيها، لغة الخطاب شوهت الكثير من القيم ومسخت المجتمع مسخاً كاملاً، لكن في أكتوبر ٢٠١٧م تغير كل شيء فقد كُتبت نهاية الصحوة كفكرة وسلوكيات ففي ذلك اليوم وعلى هامش مبادرة الاستثمار أطلق ولي العهد محمد بن سلمان رصاصة الموت على الصحوة قائلاً ( سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على جميع الأديان” مُضيفاً : “لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة.) نعم سنعود للإسلام الوسطي ولن تضيع اعمار الأجيال القادمة مثلما ضاعت اعمار أجيال كانت تعتقد أنها على صواب لأنها صدقت الخطاب وقدست صاحبه الذي استخدم الدين لتحقيق أهداف دنيوية وغاياتِ سياسية، أعتقد أننا بحاجة لدراسة علمية منهجية تُفكك خطاب الصحوة وتقف عليه بلاغياً وشرعياً فالمقالات النقدية لا تكفي خصوصاً إذا علمنا أن الصحوة ورموزها يتلونون كالحرباء ويتباكون على الإسلام الذي صنعوه وقدموه للمجتمع على أنه هو الدين الإسلامي الصحيح وهو عكس ذلك جملةً وتفصيلاً.