“في صالون العقاد كانت لنا أيام” هذا عنوان لكتاب ألفه أنيس منصور أحد مرتادي صالون العقاد الشهير والذي كان يعقد في منزله بالقاهرة في الأربعينيات إلى الستينيات الميلادية ، وكان هذا الصالون ملتقى لأدباء وصحفيي ذلك الزمن ، ومسرحاً لمناقشة مختلف القضايا الشائكة والفلسفية والأدبية وحتى الدينية ، وقد أثْرَت هذه المناقشات المكتبة العربية وغَذَّت الصحافة وقتذاك وكانت محرّضاً جيداً للإبداع وكانت فضاءً نقياً يتنفس منه المثقفون هواءاً يناسبهم .

ولأن (الكاريزما) لا تموت فقد ألقى الأديب عباس محمود العقاد بظلاله على كثير من المثقفين الذين أتوا بعد رحيله عبر شخصيته الفكرية والأدبية الخلاقة ، ومن هؤلاء الكاتب الصحفي والمثقف السعودي (عامل المعرفة) الدكتور/أحمد العرفج (والذي ولد بعد وفاة العقاد)، وجمعته بالعقاد علاقة ثقافية فكرية جعلته ينظر للعقاد على أنه جامعة ، فيذكر أنه انقطع عاماً كاملاً لايقرأ إلا للعقاد عبر سبعين كتاباً من أصل تسعين كتاباً ألفها العقاد ، ومما يفاخر به الدكتور العرفج أنه امتداد فكري وثقافي للعقاد ويتقاطع معه في عشرة صفات مشتركة حيث أنهما لم يتزوجا قط رغم أن كليهما مر بتجربة حب سابقة بنفس اسم الحبيبة(سارة) ، وأيضاً اسماهما يبدءان بحرف (العين) العقاد والعرفج ، وكلاهما تقاعد مبكراً وتفرغا للقراءة والكتابة ، وهما شغوفان برياضة المشي ، وأيضاً نظما الشعر ثم هجراه ، ومن الصفات المشتركة أيضاً كما يروي العرفج أنهما لايهتمان بالمظهر الخارجي وكلاهما يمتلك روحاً متمردة وفكاهية ساخرة ، غير أن العقاد كان يخصص يوماً في الأسبوع لمرتادي صالونه ومريدي فكره وعلمه والعرفج يخصص كامل أيامه عبر برامج التواصل الاجتماعي في السوشيال ميديا وخصوصاً عبر (سناب شات) والذي يطل على مريديه بشكل يومي وينشر ثقافته ويومياته وفلسفته حيال كثير من القضايا الفكرية ، بالإضافة إلى برنامجه الأسبوعي الشهير على قناة روتانا “ياهلا بالعرفج” والذي يقدم فيه خلاصة تجاربه وقراءاته التي يخصص لها ساعتين يومياً _على الأقل _ في سفره وحضره ، ويستعرض في برنامجه أيضاً ما أطلق عليه “مزايين الكتب”، وهو عنوان بلاشك يعكس روحه المرحة الساخرة وربما المتمردة على الأنساق الثقافية السائدة ، والتي تظهر في بعض عباراته الساخرة حيث يقول في ذات طرفة “استعينوا على قضاء حوائجكم بالقصمان ” وغيرها من المقولات التي سرت مسرى النار في الهشيم ، والعرفج ممارس ومشجع مخلص لرياضة المشي ، وله نظام غذائي صارم ، ويهتم بتقسيم وقته بشكل دقيق جداً يمكّنه من حضور فعاليات المجتمع المتنوعة والمشاركة في المناسبات الوطنية والأعمال الخيرية ، كما تفوح من أرائه الساخرة مواقفه المناهضة للقهوة باعتباره مشروباً مراً غير ذي فائدة ويظهر أيضاً عشقه القديم لنادي الاتحاد ، وآرائه الاجتماعية التي يطلق عليها تسمياته الخاصة مثل “الكفحلة” المبالغة في التحية والسلام وغيرها الكثير الكثير ، عبر مايطلق عليه “نواصي” ، أو عبر تغريداته في تويتر.

والعرفج الآن عضو في مجلس أمناء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني (حيث صدر له أمر ملكي في 26 فبراير 2018) ، ومتفرغ حالياً لكتابة المقالة الصحفية وقد أثرى الصحافة المحلية والعربية بالمقالات المتنوعة متنقلاً مابين صحف ومجلات كثيرة كاليمامة وسيدتي والمدينة وفواصل والندوة والاقتصادية والمجلة العربية ، كما صدر له العديد من الكتب منها ديوان شعر بعنوان الخطايا أسئلة ، وكتب منها اصطخاب المفردات ، هذه صناديقي مقاولات عامل معرفة ، الغثاء الأحوى في لم غرائب وطرائف الفتوى ، والمختصر من سيرة المندي المنتظر ، ومن نواصي أبي سفيان العاصي ، ويوميات مع الأزواج والزوجات ، ويوميات مع المشي والخطوات ، وأصحاب السعادة ، والمهمل من ذكريات طالب تنبل ، إضافة إلى نشاطه في التدريب وتنمية مهارات تطوير الذات التي برع فيها واستقطبت جمهوراً واسعاً .

بقي أن نقول أن توارث الكاريزما “إن صحت التسمية” قد شاهدناها انتقلت من كاريزما العقاد إلى العرفج الذي أمتع متابعيه بطرح هادف يتجاوز غثاء (بعض) ماتبثه وسائط الميديا من مواد سطحية لا تتجاوز الطبخ والمقالب والطرح الخاوي الذي لايغني من جوع . فهل نشاهد وريثاً جديداً (أو وريثة) لكاريزما العرفج الفكرية والثقافية ليكون له أنيساً كأنيس العقاد ، حتى يدون عنه أطروحاته؟!
نرجو ذلك في ظل كثرة متابعيه رجالاً ونساءاً ؛ فالكاريزما لا تموت في النهاية .