لقد بلغت بهم الحماقة درجة عالية ولم يعد يميزون بين الخطأ والصواب فألسنتهم على من وقف ويقف معهم حِداد وقلوبهم ودموعهم مع من ينتهك أرضهم ويبدد أحلامهم وهذه أم المصائب مثلما الخمر أم الخبائث!

بالأمس وفي اجتماع الفصائل الفلسطينية برئاسة محمود عباس شُتمت بلدان الخليج وعلى رأسها السعودية وهذه عادة الحركات القومية والايديولوجية منذ نشأتها تكيل الشتائم لمن يُحسن إليها ولا تُجيد غير ذلك، يتندر عرب الشمال والفلسطينيون بأنهم هم من علمنا وبنى أرضنا، تندر ليس في محله فلو عدنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا أن من بنى الأرض وعمرها هم الآباء والأجداد ومن علمنا هم أبناء الوطن الذين التحقوا بالمدارس الحكومية ومدارس تحضير البعثات والتي تأسست قبل نكبة ٤٨م، لم يكن هناك نفط ولم يأتي عرب الشمال وغيرهم إلا بعدما تدفق النفط وحدثت الطفرة الاقتصادية فأنخرطوا في الأعمال والمهن بجانب المواطنين الذين تركوا المهن اليدوية واتجهوا للقطاع الحكومي وهذه غلطة وضريبة النفط فتركوا الميدان لمن ظن بعد سنوات أنه لولا عمله لمات الشعب السعودي جوعاً ولانتهت حياته بسبب فقره وكسله؟
مشكلة الفلسطينين مع أنفسهم أكثر من غيرهم تركوا القضية الفلسطينية وتركوا خلافاتهم السياسية وتركوا كل شيء وأخذوا في البحث عن أعداء جدد وكأنهم أبطال حرب يخرجون من معركة ويدخلون أخرى، السعودية ومنذ تأسيسها لم تمن على أحد تستقبل الجميع وتحتضن من يترك بلده قسراً بلا تمييز فلا تضعه في مخيمات ولا تقيد حركته بل تعامله بإحسان وتفتح له المجال ليعمل ويكسب ويتعلم ويتعالج، لكن عرب الشمال تظهر كراهيتهم للسعودية ولبلدان الخليج يوماً بعد يوم ولولا السعودية لما استطاع محمود عباس دفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية ولبقيت جيوبهم خاوية.

الشتائم التي تلوكها الألسن الفلسطينية والعربية والموجهه للسعودية هي شتائم ناصرية أوجدها عبدالناصر حامل لواء القومية ومناهضة الإمبريالية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عندما كان مُعادياً للسعودية في تلك الفترة، كان عبدالناصر يُصنف البلدان والمجتمعات يتحدث ويخطب كثيراً يحب أن يسمع أصوات الجماهير وهي تهتف و لا يجب أن يرى تلك الجماهير وهي تعمل وتبني مستقبلها وتنعم بخيرات وطنها، توارث الفلسطينيون والعرب تلك الشتائم والتقسيمات وأصبحت تطفو على السطح بسببنا فنحن قصرنا في تفنيد الخرافة وكشف الحقيقة وقدمنا قول المُتنبي :

وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ
فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ.

فلم يعد هناك مجال للمجاملة مع أناس يتكسبون بالقضية التي لو نطقت لقالت لهم دعوني فأنتم لا تستحقونني..