كتب الله على نفسهِ الرحمة بنص القرآن الكريم “سورة الانعام ٥٤” ولم يكتب عليها العذاب هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها البعض ويتجاوزها إذا لمت بالمجتمعاتِ كارثة، جائحة كورونا كغيرها ضربت العالم ونحن بالتأكيد جزءً من العالم يصيبنا ما يصيبه ولسنا إستثناء وإن أدعى وأبتدع  البعض ذلك، وصول كورونا إلينا لم يكن بسبب ذنب أو بسبب فرقةِ موسيقية أقامت حفلةِ غنائية بموسم الرياض المنصرم ولم يكن بسبب قيام بعض النساء بلبس الحجاب على طريقتهن التي عنوانها الحشمة ومراعاة التنوع الثقافي والاختلاف الفقهي أو بسبب محاصرة دعاة الفتن وعُباد المال الأجنبي بزاوية وتقديمهم للعدالة بل بسبب بسيط ألا وهو عدم قيام العائدين من الخرج بإتباع الإرشادات الصحية وعزل أنفسهم لمدة ١٤ يوم للتأكد من خلوهم من الفيروس فنقلوه دون دراية منهم لمن خالطهم فأنتشر لكنه محاصر بحزمة من القرارات أهمها منع التجول وتطبيق الحجر الصحي لمن تأكدت إصابته بذلك الوباء.

الله سبحانه رحيم بعباده فمن المعيب استخدام آيات العذاب وتنزيلها على أرض الواقع لغايةِ إيديولوجية بحته، أصاب المسلمين الكثير من الأمراض والطواعين ومات خلقُ كثير ولعل طاعون عمواس والذي بسببه مات أبي عبدة عامر بن الجراح  أحد أكثر الأمراض التي أصابت المسلمين في حقبة تاريخية منقضية فهل ذلك الطاعون كان بسبب معصية أم كان بسبب انتشار الفواحش في ذلك العصر؟ وهل أمين آمة محمد حل عليه العذاب ومات بالطاعون؟
بالطبع لم يكن ذلك الوباء بسبب معصية أو فاحشة بل هو مرض كغيره من الأمراض لم يجد مواجهه طبية سليمة ففتك بالناس ومات خلقُ كثير، وأمين آمة محمد واجه قدره وفق منطق عصره الصحي آنذاك هكذا يقول المنطق والعقل السليم ، فرقُ كبير بين الإبتلاء وبين العقوبة فليس كل إبتلاء عقوبة وليست كل عقوبة إبتلاء، عندما تحل بالمجتمعات الإسلامية نازلة يخرج من بين ظهرانيها أفراد يعظون الناس ويحثونهم على التوبة وتجديد العهد مع الله ويضعون النوازل بقائمة العقوبات الربانية مستشهدين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصص التاريخية، ذلك السلوك نتيجة طبيعية لغياب الوعي وسيطرة العواطف على العقل ونتيجة للخلط بين الإسلام كقيم وممارسات وبين الإيديولوجيا التي صدرها منظري الإسلام السياسي بالمشهد وركض خلفها كل من ظن بنفسه أنه المؤمن الوحيد على هذه الأرض.

لو عدنا إلى الوراء لوجدنا أن فيروس كورونا بدأ انتشاره من الصين التي قال عنها الواعظ المتشدد هذه عقوبة ربانية لتلك الدولة الملحدة لكنه لم يقل عندما حاصرت الصين الوباء وعادت الحياة إلى طبيعتها أن ذلك نجاح وتجربة تستحق الإحترام والتقدير، وياليته سكت وصمت فقد قال عندما وصل الوباء لعقر داره هذا بسبب المعاصي والذنوب، تلك الأقوال فيها تعلي على الله وارجاف وفيها اتهام للمجتمع بأنه يسير على ظلال فأي إسلام يتبعون وأي غاية ينشدون!

بقاء تلك الفئة البشرية من الناس تتحدث بإسم الله جريمة بحق الدين و المجتمع الذي ضاق ذرعاً بتلك المقولات الغير منطقية فالله لم يخلق الناس ليعذبهم ويهلكهم بالأمراض بل خلقهم من أجل عمارة الأرض فكيف يجعلها خراباً من بعد عمارتها يا تُرى وكيف ينجح البشر في صد جندي من جنود الله إن كان مُسلطاً عليهم كفيروس كورونا فلماذا نجحت الصين والسعودية في محاصرته ولم تنجح دولُ أخرى حتى الآن؟ هل ذلك الجندي ضعيف لا يستطيع المقاومة وتنفيذ إرادة الله!

أظن أن الوعظ كخطاب ثقافي ووظيفة من لا وظيفة له لا يستطيع الإجابة على هذه التساؤلات بطريقةِ منطقية واضحة وشفافة، وإن حاول الخطاب الوعظي إيجاد تفسير لما يحدث فإن إنزال النصوص في غير موضعها الطريقة المُثلى مُحدثةً بلبلة وكارثة فكرية وأخلاقية تبقى آثارها لسنواتِ بعيدة .