_أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء ” تكفينا هذه الآية الكريمة للبدء في تدبر القرآن وقراءته بشكلِ مختلف عن السابق وتجديد الدعوة لإعمال العقل بعد عقود طويلة من الجمود ففي القرآن آياتِ كثيرة يدعونا فيها الله إلى إعمال العقل والتفكير وتدبر القرآن الكريم فالتدبر تعني حضور القلب والعقل عند القراءة والوقوف على الآيات والتأمل فيها وتطبيق ما جاء فيها من أحكامِ وأوامر ، لو قرأنا القرآن بشكلِ صحيح لتوصلنا إلى حقيقة التدبر بطريقةِ سهلةِ وميسرة ، والقراءة الصحيحة تتم بالعقل قبل اللسان فبدون حضور العقل لا يمكن الفهم وبدونه لا يتحقق التدبر أيضاً .

لدينا كليات ومعاهد ومراكز لعلوم القرآن ولدينا مدارس وجمعيات جل أهتمامها العناية بحفظ القرآن الكريم فهل تعنى تلك المؤسسات بتدبر القرآن وإشاعة ذلك المفهوم لدى الناس ؟

جلُ همنا كأفرادِ ومؤسسات أن يحفظ الفرد القرآن أو جزء يسير منه غير مدركين أن الحفظ تكفل الله به في اللوح المحفوظ وآياتِ قليلة بتدبر خيرُ من أجزاء كثيرة بلا تدبر ، لقد وصلنا لمرحلةِ لا يستطيع فيها فتىً تدبر القرآن ولا يستطيع شاب في مقتبل العمر التدبر ولا يستطيع خريج جامعة الوقوف عند بعض الآيات ومحاولة فهم المغزى منها ، السبب ليس في عقل ذلك الفتى أو ذلك الشاب أو الخريج الجامعي السبب الحقيقي يكمنُ في طريقة تلقي القرآن أثناء الدراسة فالطريقة تقليدية حفظ وتلاوة ونجاح ومادة القرآن لا رسوب فيها فطريقة التعاطي المنهجي مع القرآن تغيرت وهذا لم يكن في صالح العقل فالعقل الذي وجد من أجل التفكير والتأمل بات كالذاكرة الإلكترونية .

لا يقع اللوم على معلم المادة فهو يتبع طريقة من كان قبله وجيل وراء آخر حتى وصلنا إلى حفظ دون تدبر وتلاوة دون نظر وتركيز ومحاولة فهمِ على الأقل فالغاية الحقيقة من القرآن مفقودة ومن يقول غير ذلك لم يقرأ القرآن بشكلِ صحيح .
القرآن رسالة الله إلينا رسالة سماوية نُقلت إلينا عن طريق نبي كريم آمين تكفل الله بحفظه ولم يأمرنا بحفظ آياته بل دعانا إلى تدبره ودعوة الله آمر وتكليف للبشر كلُ حسب طاقته وجهده ، إذا آردنا تدبر القرآن فعلينا استشعار مقولة محمد إقبال التي يجب أن تُدرس وتُعلم للأجيال يقول محمد إقبال رحمه الله: “كنت أقرأ القرآن مثل بقية المسلمين أردده وأكرره بلا تدبر ولا تأمل، حتى دخل علي والدي -وكان عالما جليلا- وأنا أقرأ القرآن بشرود قلب وغفلة، فأمسكني وهزني وقال: يا محمد، اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك، فكنت بعدها كلما قرأت تسابقت دموعي مع وقع الآيات في قلبي ” هذه الكلمات تدل وبوضوح على أن الغاية الحقيقة من قراءة القرآن هي التدبر والقراءة الصحيحة تبدأ بالعقل ومن تعظيم كلام الله أن نتدبره فهو رسالة الله إلينا كأفرادِ ومجتمعات إذا أحسن الأفراد التدبر فإن المجتمعات ستنجو من المتشددين والدخلاء والمنتفعين من التدين وستمسك بمفاتيح العلوم التي اضاعتها فالتدبر تأمل والتأمل يقود إلى المعرفة والمعرفة غاية الإنسان منذ أن خُلق على وجه الأرض