أظن أن سياسة منع الكتاب لم تعد مجدية خصوصاً ونحنُ نعيش في زمنِ مختلف عن الماضي فبعد عقود من الوصاية الفكرية والثقافية وبروز الوعظ على السطح وتحولهِ لظاهرة لم تطل مدتها ، ودخول المجتمع عصر السرعة والتواصل الاجتماعي لم تعد سياسة المنع ذات جدوى ، فالمنع وصاية من نوعِ آخر وتسويق غير مباشر للكتاب وللفكرة التي بداخله ، مع كل دورة لمعارض الكتاب تبدأ جولة المنع وتلك ظاهرة عربية فالمنع ليس مرتبطاً بمعارض الكتاب بل حتى المكتبات تمنع خوفاً من الرقيب ، المنع له اسبابه ودوافعه والرقيب يبرر ذلك لكن القاريء يرى أن لا ضرورة لذلك فكل شيء يستطيع الحصول عليه بسهولةِ تامة ، لو كانت لدينا منتدياتِ أدبية ونقدِ أدبي وصحافة نقدية ونشاطِ معرفي وثقافي متواصل ومترابط لما كانت ظاهرة منع الكتب متفاقمة خصوصاً في عصرنا الحالي وهنا أتساءل أين دور الأندية الأدبية والنخب الثقافية والفكرية في تحجيم تلك الظاهرة أو على الأقل محاولة تقديم نصائح للرقيب الذي قد يكون جاهلاً بالمحتوى الممنوع فغالبية الكتب الممنوعة كانت العاطفة وراء منعها خوفاً من الإلحاد أو الدخول بدائرة الشكوك التي لا تنتهي ، الظاهرة عربية بإمتياز ومرد ذلك إلى الخوف من العقل فالعقل في العالم العربي عبارة عن صندوق غير قابل للفتح أو ترتيب ما بداخلة وإن حدثت محاولة فالرد سيكون قاسياً ، في ظني المتواضع لا يوجد كتاب جديرُ بالمنع وإن كان هناك تخوف فلماذا لا يُوضع ذلك الكتاب على طاولة النقد ؟
طاولة النقد التي من المفترض أن يلتم حولها المفكرين والمنظرين والقراء وتحتضن الأندية الأدبية والصحافة النقدية هي حلقتنا المفقودة فقد استبدلتها آمة إقرأ بمقص الرقيب وفي ذلك بلاءُ من ربكم عظيم .
مسافة بسيطة تفصلنا عن معرض الرياض الدولي الكتاب الكرنفال الثقافي الذي يستحق أن يكون متميزاً ومحركاً لمياه الوعي والمعرفة الراكدة ، نتمنى أن يكون ذلك المعرض خالياً من أمراض الثقافة التي لا تبدأ بالمنع ولا تنتهي بقوائم الأسعار فظواهرنا كأمراضنا عربية وستضل عربية إلى ماشاء .