آمرنا الله في مواضعِ قرآنية كثيرة باستخدام العقل والتفكير والتدبر وإطلاق النظر والتأمل في الكون ونظامه البديع ، الآمر الرباني يردده المسلمون في صلواتهم ونقاشاتهم فلا يكاد يخلو جمع من وجود كلماتِ تدل وبوضوح على ضرورة إعمال العقل وإخراجه من صناديق الجهل المُغلقه ، العقل يتأثر ويؤثر وكما قيل العقل يحتله الأسبق إليه فلو بقي العقل محاطاً بعبارات ومصطلحات وآراء لا تقبل التحديث فإنه سيبقى في خانته بلا حِراك ، مشكلتنا الأزلية تكمن في تعطيل العقل وقتل حياته منذ الصِغر خصوصاً وإن التيارات الدينية في عالمنا الثالث تخشى من العقل أكثر من الله لأن ذلك العقل متى ما تحرك فإنه سوف يُحرك المياه الراكدة وسيكتشف حقائق غائبة وسيكتشف أن الهدف من التجهيل ليس تحقيق العبودية لله بل الخضوع والإنقياد للبشر ، العبودية لله لا تكتمل إلا بعقلِ سليم قادر على التدبر والتفكر والتحليل فالعبادة قائمةُ على المنطق وهذا ما يجهله كثيرُ من الناس ممن يظن أن العبادة عادة متوارثه شعارها الخضوع لله والإلتزام بما تناقلته الروايات ، أكثر شيء مُحير هو تعطيل العقل البشري لمجرد الخوف منه لا عليه فهناك من يدعو إلى إلزام الناس بآراء ونصوص خوفاً عليهم كما يقول وفي الحقيقة ليس خوفاً عليهم بل خوفاً من العقل الذي إن تفكر واطال التفكير فسيصل إلى نتيجة منطقية تنسف نتائج وصلت إليه بالتلقين لا بالتفكير ، مجتمعنا العربي مجتمع متدين بفطرته مجتمع يقدس صاحب المعرفة خصوصاً إذا كان صاحبها ملتحي يُجيد فن الخطاب ذلك المجتمع تربى وما يزال يُربي على إهمال العقل وتركه يسبح في مياهِ آسنه وزاد من الأمر سوءً اعتماد التعليم على التلقين لا على التفكير والجدال والنقاش وكأن الحياة بتفاصيلها الدقيقة مبنية على المسلمات القطعية التي لا تقبل الشك والتأويل .
لكي نتخلص من مشاكلنا الفكرية ومن التشدد الذي أصاب مجتمعاتنا ومن مختلف الكوارث المحيطة بحياتنا يجب العودة إلى الآمر الرباني الآمر القرآني الآمر الذي اختص الله به هذه الأمة لكنها ضيعته ووكلت من يُفكر عنها لمجرد إنخداعها به إنه التفكير التفكير الذي قال عنه عباس محمود العقاد إنه فريضةُ إسلامية وهو كذلك لكنه فريضة منسية كفريضة القراءة التي اهملناها هيّ الأخرى واستبدلناها بسلوكياتِ حسنة لكنها اقل نفعاً وآجراً من فرائض الإسلام المنسية ، وصدق اينشتاين حينما قال ” تأمل الطبيعة ملياً ..ومن ثم ستفهم كل شيء بطريقة أفضل ” فالتأمل الخطوة الأولى للتفكير ولأنهم يفكرون سبقونا علماً وحضارة وبقينا نتجادل حول قضايا هامشية يغلب عليها الصوت الذكوري وكأن الكرة الأرضية مُلكُ لجنس الذكور دون غيرهم .