ذكر ابن قتيبة في أدب الكاتب أن واصل بن عطاء كان ألثغاً في حرف الراء فما زال يروض نفسه حتى انقادت له طباعه وأطاعه لسانه فكان يناظر خصومه ويلقي الخطب الطويلة دون أن ينطق حرف الراء!! ومن لطيف ما قرأته أن قوماً قد تحدوه يوماً بأن يقول هذه الجملة “جرَّ رمحَه وركبَ فرَسَه وأمرَ الأمير بحفر بئر على قارعة الطريق” فرد عليهم من فوره قائلاً: سحب ذَابلَه وامتطى جواده وأوجب الخليفة نقب قليب على الجادّة!!

فتأمل وصف ابن قتيبة “فما زال يروض نفسه” وكأن ذلك الضعف وتلك العيوب رُوضت حتى أضحت قوة لا تُـقهر.. لهذا أؤمن أنه لا يوجد إنسان ضعيف إنما يوجد إنسان لم يعرف في نفسه مَواطن القوة.
بل تخيل أن كثيراً من الشعراء والأدباء وحتى المطربين والفنانين كانوا ذا عيوب جلية في النطق والكلام مثل واصل وربما أشد منه؛ ومنهم إمام النحو سيبويه الذي كان في لسانه حُبْسَة أي كان الكلام يُثقل عليه أحياناً ومع ذلك كان يناظر خصومه بسلطان علمه وقوة بيانه، وكان أبو تمام كذلك ذا حبسة في كلامه ومع ذلك صاغ الشعر وأجاد وأبدع.

بل حتى أمير الشعراء أحمد شوقي كان لا يُجيد إلقاء قصائده فكان يعطيها لشخص يرويها نيابة عنه؛ حتى أن حافظ إبراهيم أبدع في مدح شوقي حين تعرض لهذا الأمر وأن ذلك لم يزيده إلا قوة واستشهد بموسى حين استعان بهارون عليهما السلام لأنه أفصح لساناً منه
يعيبون شوقي أن يرى غير منشد
وما ذاك من عِيّ ولا من ترفّعِ
فهذا كليم الله قد جاء قبله
بهارون ما يأمره بالوحي يصدعِ

وكنتُ قد شاهدت قبل سنوات لقاءً مع المطرب اللبناني إيوان وكيف أن لدغته في حرف السين كانت جلية واضحة ومع ذلك استمر في حلمه في الغناء حتى إذا غنى ذهبت عنه هذه اللدغة فلم تظهر أبداً!! والأعجب منهم جميعاً بيتهوفن الذي لم يعقه فقد سمعه عن إكمال سيمفونتيه التاسعة حتى أنه لم يسمع صوت تصفيق الجمهور بعد الانتهاء من عزفها!! فتأملوا كيف صاغ هؤلاء من ضعفهم قوة لا تكسر؛ وثق أن سحابة ضعفك مهما كبرت فإن شمس قوتك أبهى من أن تُحجب.