لا أتحدث هنا عن التواضع المحمود؛ فهو وحي إلهي وفعلً نبوي، “ومن تواضع لله رفعه”. والعجيب أن كثيرا من الناس يدعي أنه يتواضع، ولا يكون متواضعا في حقيقة الأمر لسببين: أنه ليس عنده شيء يتواضع بسبه،والأمر الآخر أن هذا التواضع إنما يكون جلبا للمدح الكاذب؛ ليلقى ثناء الناس وذلك عند الله سفه. كنت مستضافًا عند أحد العائلات في موضوع ما.. فما إن أنهيت الحديث حتى تساءل أحد الحاضرين عن تعفف الأكفاء عن الظهور، أو اعتلاء المناصب. فكان ردي باختصار: أن هذا المنظور أو التشكيل التي تطور مع الثقافة اليوم هو “تواضع كاذب”!
التواضع الكاذب هو أن يرى الإنسان نفسه ليس أهلاً لشيء، لا لعمل، ولا لوظيفة، ولا لشهادة، ولا لإمامة، ولا لخطابة، ولا لدعوة، ولا لتصدر، ولا لإدارة، ولا لشيء.
وأعني به ذلك الانكسارَ الدائم في شخصية المرء، فتجده يعتذر دائماً بأنه ضعيف لا يستطيع تحمل المسؤولية، أو بأنه أقل مما يؤمل منه. والعجيب أن مثل هذا المنكفئ المنكسر يرى من هو أقل منه علماً وفقهاً يتصدر ويُسمع قولَه وهو ما زال متردداً متعللاً. لمواقف كثيرة.. أحدهم حافظٌ لكتاب الله، لكنه يقدم الشخص الذي بجانبه “الأقل حفظا ” وعندما ذهبت أفتش عن جواب لما فعله قال لي وهو ينظر بعينيه للأسفل :” أن هذا تواضع”!.

أما الآخر فمن أوائل كلية الشريعة، يتورع عن القضاء وهو له كفئ وعندما سألته يجيب بكل شجاعة وحماقة في آن: “قاضيان في النار وقاضي في الجنة يالشيخ “!  ما لهؤلاء! ألا يرون مثلاً في قصة تعيين الستة من الصحابة لاختيار أحدهم خلفية للمسلين درسا لهم في سلوكهم هذا!. اين هم من يوسف عليه السلام عندما قال ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ علِيمٌ” ما منعه شيءٌ أن يطالب بأن يكون على خزائن الأرض؛ لأنه يعلم أن الله تعالى قد اختصه بهذه المزايا.

  ختامًا: هناك 3 أدوات لضبط بوصلة القلب نحو التواضع: استحضار النية ومراجعتها، ومراقبة النفس، ووقاية النفس من الغرور. أما التواضع الزائد عن حده في مواقف لا تتناسب معه؛ فإنه مذلةٌ، ودليلٌ على ضعف الشخصية. وكما يقول غازي القصيبي :”الغرور السافر أكثر نزاهة من التواضع الكاذب”.