من فلسفاتي الكثيرة في الحياة أننا نحتاج لأن نتعلم قبل أن نخوض ونبحر في العلم وبمعنى آخر يجب علينا فهم ما نتعمله قبل أن يصبح ما قرأناه شيئاً راسخاً في حياتنا لا يقبل النقاش؛ وخذ مثلاً ما حدث معي قبل سنوات حين جاءني أحد طلابي يسألني عن أحد الصحابة رضوان الله عليهم وهل هو منافق وهل هو …إلخ

أسئلة كثيرة تحمل في طياتها الشك والاتهام نحو هذا الصحابي، فرددت على سؤاله بسؤال ما الذي دفعك إلى هذا السؤال والاتهام؟! فقال قرأت لأثقف نفسي وأتعلم عما حدث من خلاف بين الصحابة؛ فقلت مَثلك كمثل من دخل الحرب بلا سلاح ليتعلم الحرب هناك فمات وهلك؛ فأنت جهلت ولم تقرأ كل ما فعلوه الصحابة من خدمة الدين والإسلام واتجهت لأمر اجتهدوا فيهم بظنهم فحكمت على حياتهم كلها ودينهم بأمر واحد؟! لأنك أردت الثقافة قبل أن تتثقف بمعناها الحقيقي.

فالثقافة ليست مجرد معلومات تستطيع أن تسردها لمن حولك وإنما هي قناعات تستطيع بها أن ترد على كل جهل وشبهة.. لهذا نحتاج أن نوجه ثقافتنا قبل أن نبحر فيها فكلما زاد إبحارنا في عمق المحيط صُعب إنقاذ قناعاتنا منها؛ ولهذا قالوا قديماً قد ضل من كان شيخه كتابه.. لأن كل كاتب له طريقته ورأيه وحتى سمه وعسله!! فحين تقرأ كتاباً أياً كانت فكرته لابد أن تجمع خلاله شيئاً من عقل كاتبه إلى عقلك حتى يصبح جزءاً من شخصيتك فلابد أن تلم بمعلومات الكتاب ومؤلفه ومحتواه حتى لا تسلم عقلك بلا وعي لأي أحد.

وبالمناسبة هذا ما حدث للفيلسوف الألماني نيتشه حين قرأ في شبابه بالصدفة كتاباً لشوبنهاور – الذي يعد فيلسوف التشاؤم – بعنوان العالم إرادة وفكرة فتأثر كثيراً بأفكاره حتى اقتدى به؛ والمفارقة أن نيتشه لم يكن يعلم حينها من هو شوبنهاور أو مدى شهرته وإنما إعجابه بالكتاب فحسب أعمى بصيرته وغير نمط حياته كلها إلى التشاؤم والكآبة حتى صار مثالاً للتشاؤم وعدواً للمرأة رغم ما كان يملكه من مقومات النجاح وإمكانيات السعادة

وقس على ذلك كم من كتاب مثل هذا قد غير حياة شخص أو بدل أفكاره أو غير قناعاته كمن حكم على التاريخ الإسلامي من خلال كتب الأدب؛ وخذ مثلاً كتاب الأغاني للأصفهاني الذي كان آية في الأدب والفصاحة وكان في الوقت نفسه وبالاً على التاريخ؛ فالأصفهاني ترك الصالحين في بغداد كلهم وتكلم عمن يوافق هواه من أصحاب اللهو والشراب حتى صور لك أن المجتمع الإسلامي كان كله على هذه الشاكلة؛ وما ننيخ المطايا عنده أن كل كاتب يكتب على ما تهواه نفسه فلا تسلم عقلك لكل كاتب ولا تؤمن بكل مقولة