كان الكاتب الانجليزي جوناثان سويفت مؤلف كتاب رحلات جاليفر من أكثر المتشائمين في انجلترا فقد كان كثير الحزن عظيم الهم يلبس السواد دائماً ويمتنع عن الطعام في ميلاده كناية عن أسفه لمجيئه في هذا اليوم!! المفارقة الغريبة أن هذا المتشاءم كان يقول “أفضل الأطباء في العالم هو نظامك الغذاىي الجيد والهدوء والبهجة مما حولك” وهنا تدرك أن كثيراً منا يردد عبارات السعادة ويحفظها لكن القليل فعلاً من يترجمها إلى واقع محسوس

ولهذا أنا لا أؤمن كثيراً بدورات تطوير الذات وذلك الزخم الهائل حولها.. ولا أقصد التنقيص في حقها ومن أصحابها لكن المقصد أن جل ما فيها كلام نعرفه وكن السؤال الحقيقي هو كيفية تطبيق هذا الكلام حرفياً فمهما حضرت من دورات ومهما قرأت من كتب فلن تتغير ما دام عقلك غير مستعد لتغيير نظرته للحياة وهذا مصداق قول الله سبحانه (إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)

ومما يُنسب لشكسبير أنه يقول لا يوجد شيء في الحياة جميل أو قبيح بذاته وإنما تفكيرنا يجعله كذلك.. فتشاؤمنا وتفاؤلنا هو انعكاس لحالة قلب وتفكير عقل فنظرتك للأمور هي ما تحدد حزنك وسعادتك

وخذ مثلاً قصة الخنساء رضي الله عنها التي أدمى الحزن قلبها في الجاهلية على موت أخيها صخر حتى ذكرت أن مجرد رؤيتها لطلوع الشمس يشعل ذكراها ويجدد حزنها لفقد أخيها حتى قيل أنها عميت أو أوشكت على العمى!! وبالمقابل حين أسلمت تغير ذلك التفكير وتبدلت نظرة الخنساء السوداوية للحياة؛ ولعل خير شاهد على هذا استشهاد أربعة من أبنائها في يوم واحد في معركة القادسية؛ ورغم هذا المصاب إلا أنها كانت صابرة راضية حامدة لربها لاستشهاد أبنائها (رغم أن فقد الابن أشد من فقد الأخ) إلا أن الإسلام غير نظرتها للأمور فتغير بذلك حالها من حزن دائم إلى رضا وتسليم بأمر الله

ومن لطائف ما قرأته في كتاب دع القلق لكارنيجي أن نابليون بونابارت الذي كان يملك ما يتمناه كل شخص في هذه الحياة من الملك والمال والشهرة كان يقول في منفاه في سانت هيلينا لم أرَ ستة أيام سعيدة في حياتي؛ وبالمقابل كانت هيلين كيلر المرأة العمياء والصماء والبكماء تقول وجدت الحياة جميلة للغاية!! بل كانت تقول إني أعجب من المبصرين حين أسألهم ماذا رأيتم فيجيبون لا شيء وأنا الحياة جميلة رغم أني لا أراها إلا باللمس!! فبلمسها استشعرت جمال الحياة في حين عمي عنها المبصرون!!