كان الخليفة عبد الملك بن مروان مصابا بالبخر وهو أشبه بمرض ينتج عنه رائحة الفم الكريهة فقضم ذات يوم تفاحة وأعطاها لزوجته فقطعت موضع عضته وقالت أميط عنها الأذى؛ فلم يحتمل ذلك وغضب منها وطلقها!!

وصدق الشيخ علي الطنطاوي حين قال ” لبثت في القضاء 27 عاماً فوجدت أن أكثر أسباب الطلاق جواب المرأة الأحمق وغضب الرجل الأعمى ” فتأمل جوابها الأحمق ومعايرتها ببخر فمه وتصور غضبه السريع الذي أنهى كل شيء بينهما من أجل كلمة؛ وقس على ذلك أغلب المشاكل الأسرية من حولك فجلها انصبت حول ذلك الجواب الأحمق والغضب الأعمى!!

وبرأيي الشخصي أرى أن مشاعرنا حقيقة هي التي تتكلم عنا أحياناً أكثر من عقولنا؛ والمشاعر لا تعرف الحيادية كما يدركها العقل فلا تحكم وأنت غاضب فالغضب هو من سيحكم عنك ولا توعد وأنت عاشق فسقف وعودك سيتجاوز واقعك؛ بل من اللطائف أن ابن الأثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ أعرض عدة سنوات عن كتابة أحداث عام ٦١٧هـ لما اعتراه من مشاعر الحزن والغضب على ما فعله جنكيزخان والمغول في الدولة الخوارزمية من قتل للرجال والنساء وشق بطون الحوامل وقتل الأجنة وجعل الأسرى دروعاً للجيش المغولي!! حتى استطاع بعد سنوات التحكم في مشاعره الجياشة وتحكيم عقله في سرد تلك الأحداث المهولة عن جرائم المغول

وما نرمي إليه ونقصده أن المشاعر أيا كانت -من فرح وغضب وحزن وحب- إن فاضت خالطت العقل أو قد طغت عليه فكانت هي الحاكمة والمصدرة لقرارتك وأفكارك!! ومن جميل ما قرأته في بديع بلاغة القرٱن الكريم في قول الله سبحانه عن موسى عليه السلام (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ) وكأن الغضب آنذاك كان هو المسيطر والمتحدث فلما سكت الغضب بانت الأمور على حقيقتها وزالت تلك الغشاوة عن العقل

وأذكر أني شاهدت قبل سنوات فلماً لديزني بعنوان Inside Out الذي تكلم عن فتاة صغيرة ينتقل والداها من مدينتها إلى مدينة جديدة فينقلب حالها من فرح دائم إلى مزاجية وعزلة أوصلها إلى حزن وغضب غلب على بقية مشاعرها، ويصور الفلم تجسيد مشاعرنا الداخلية لتفاصيل حياتنا الخارجية فالفرح هو ما يجعلك ترى كل شيء مبهجاً والغضب والانفعال هو ما يجعلك غير راضٕ عن أي شيء؛ بل اللطيف في هذا الفلم أنه بيّن أننا قد نحتاج حتى إلى الحزن أحياناً حتى لا نصاب بتبلد الإحساس.. فكل تلك المشاعر داخلنا تتكلم وتعبر وتسكت وكل شعور فيها لابد أن يأخذ حيزه ويعبر عما في نفسه؛ لكن المهم أن نعرف كيف نتحكم بها ونتكلم بلسانها؛ ونعرف متى وكيف نسكتها كيلا تحكم نيابة عن عقولنا