أجرى ستانلي ميلغرام عام 1947م دراسة للنفس البشرية في جامعة بال الأمريكية لأشخاص متطوعين وطلب منهم تعذيب أشخاص آخرين مقيدين في كرسي كهربائي وكانت النتيجة أن 26 شخصاً من أصل 40 قاموا بالضغط على زر التعذيب بلا مبالاة للصرخات التي كانوا يسمعونها بل حتى لم يسألوا عن سبب تعذيبهم..؟!

وبالمقابل كانت الكهرباء والصرخات كلها مجرد تمثيلية قاموا بإعدادها؛ ليتضح لميلغرام أن بعض الأشخاص لديهم ميول غريزية للتعذيب فقط إن تولوا السلطة على الناس!! وهذا ما كنت أسمعه وأقرأ عنه وأردده دوماً أن الأخلاق الحقيقة للمرء تنجلي حال بلوغه الشهرة أو توليه المناصب فهنا سيظهر جلياً تواضعه أم تكبره، ورحمته للناس أم تسلطه وتجبره..

والشيء بالشيء أذكر أني شاهدت لقاءً مع الممثل الراحل المصري خالد صالح تكلم فيه آنذاك عن فليمه “هي فوضي” الذي كان يحكي قصة استغلال بعض رجال لمناصبهم في تحقيق رغباتهم وإظهار تحكمهم في الناس وقال حينها إن الكمسري في القطار قد تجده يصرخ ويغضب ويأمر وينهي ويشعر بالسلطة على الركاب وهو موكل بأخذ التذاكر فكيف بمن تولى منصباً وكان الناس تحت إمرته؟!

لهذا لا تستغرب إن وجدت موظفاً بسيطاً يعقد الأمور على المراجعين بالمقولة الشهيرة “راجعنا بعد أسبوع” لشعوره بالقوة والسلطة كذلك المراجع الذي ذهب لموظف في الجامعة وقال له أوراقي قد أرسلوها لكم فقال الموظف دون أن يبحث حتى عن الأوراق أو يسأل عن اسمه!! لم يأتينا شيء راجعنا غداً .. والمفارقة أن الأوراق واسم المراجع كانت موجودة أمامه على مكتبه!!

وأخيرا اقرأ معي ما روي عن الوزير ابن الزيات الذي كان كاتباً أديباً مقرباً من الخلفاء حتى أن الواثق أمر الناس إن مر الزيات أمامهم أن يقوموا له احتراماً!! حتى تباهى بسلطته واغتر بقوته فكان لا يرحم أحداً حتى أنه اتخذ تنوراً فيه رؤوس حديدية وجعله عقوبة لمن يوقع به فكان إذا سمع المعذبين يقولوا له ارحمنا يقول “الرحمة خور في الطبع” والمفارقة أن نهايته كانت في هذا التنور نفسه حين غضب عليه الخليفة المتوكل فألقاه فيه فكان يصيح ويقول ارحموني فيقال له الرحمة خور في الطبع!!