‏في طريقنا إلى الصلاة- أنا واثنان من أصحابي- طرحت عليهما سؤالاً كان في نظرهما يسيراً ألا وهو “لماذا خُلقنا؟!” فأجاب أحدهما بالجواب المعتاد وهو أحد أضلاع مثلّث الجواب الكامل الذي طالما رددناه وتعلمناه من شيوخنا الكرام : (العبادة)، واستدل بقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وأما الصاحب الآخر فكانت إجابته : “الحرث والتكاثر فقط” والتي انتهت بالضحك منا جمعياً على هذه الإجابة!

‏ ربما تكون هذه الإجابات غير مكتملة الأركان! بدأت أسأل وأقرأ في هذه المسألة إنّ الله سبحانه قد أخبرنا أنه خلق الإنسان لمقاصد عليا وجليلة، ورأس هذه المقاصد مكونة من ٣ أضلاع المثلث:

‏1-العبادة، كما قال تعالى :{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ويقصد بها المعنى الأعم للعبادة .

‏2-الاستخلاف، {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}
‏وخليفة أي يخلف بعضه بعضاً.. فنحن خلفاء الله الذي استخلفهم.. استخلف بعضنا من بعض {جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}

‏3-العمارة، كما في قوله سبحانه : {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}

‏إذاً فصلاح الإنسان مرهون بهذه المعاني الثلاثة، فبقدر ما تتوفر هذه المعاني في حياة الإنسان؛ يكون صالحاً، لأنه خلق لتحقيقها.. والإنسان الصالح ليس الذي يكون صالحا في ذاته فقط بعبادات وأذكار وأوراد يقتصر نفعها عليه -ونعمّا هي، وهي مطلوبة لا شك- لكن تبقى الآن خطواتٌ أخرى في سبيل كماله ، ألا وهي المتمثلة في الصلاح الممتد والمتعدي إلى الآخرين، وإلى العالم كله؛ لكي ننتقل من المؤمن الصالح إلى المواطن الصالح إلى الإنسان الصالح.

‏ يقول ثيودور روزفلت الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ” المواطن الصالح في جمهوريتنا هذه هو اللائق والراغب والقادر في ألا يكون عالةً على الجمهورية “، بمعنى آخر أنّ هناك من يحمل المجتمع همّه ورعايته، وهناك من يحمّل هم المجتمع بإصلاحه، أليس كذلك؟! خذ أبسط الأمثلة في العامل والعاطل.. فالمجتمع يحمل همّ العاطل؛ لذلك في المجتمعات المتحضرة يرون أنه من العار افتعال الموظف لإجازة مرضيةٍ بل وينظرون إليه كالسارق! أما التعطّل الكامل والذي يكون عالة على الدولة فيرونه أكبر العار، بل لا يحبونه إطلاقا!، وللأسف فبعضنا يراه من الفهلوة والشطارة والحذاقة!

‏ختاماً:
‏علينا أن نتناغم مع الطرح والتصوير القرآني.. الدين صلاح وإصلاح، وعمل متراكم ومتراكب ومتواصل وممتد فـ (لَن يَشبَعَ المُؤمِنُ مِن خَيرٍ يَسمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنتَهَاهُ الجَنَّةُ)، والمؤمن ليس سلبياً، و ليس عاطلاً، وليس قاعداً ، وليس مستلقياً فقط! بل إنّ المؤمن ينتج ويعطي وينجز باستمرار! والمؤمن ليس عبئاً على المجتمع، ولا عبئاً على الحياة؛ بل إنّه بركةٌ على المجتمع وعلى الحياة.