بسمارك السياسي الفذ الذي وحد ألمانيا لم يستطع توحيد أفكاره وتجميع تركيزه وتصفية مزاجه إذا لم يستغرق جل نهاره في التدخين؛ حتى جاء ذلك اليوم الذي كان في إحدى حروبه ولم يكن معه آنذاك إلا سيجارة واحدة فأخر تدخينها إلى اللحظة التي يحتاج إليها بشدة حتى مضى أسبوع كامل ولم يدخنها فترك التدخين لأنه أدرك أن فقد التركيز وسوء المزاج ما كان إلا من صنع أفكاره لا من نشوة تلك السيجارة!

كثيراً من صور السعادة وأوهام الشقاء التي نتخيلها حولنا ليست موجودة إلا في عقلنا الباطن الذي ترجم أفكاره الإيجابية والسلبية إلى واقعنا فعشنا على تصوراته وبين أحلامه وأوهامه.. فبسمارك وغيره لم يكن التدخين يوماً هو سبب تركيزهم ونشوة سعادتهم وإنما صورة الدخان في عقولهم هو من رسم تلك التهيؤات في واقعهم.

وخذ مثلا آخر لما حدث مع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت الذي كان متضايقا من الديك الذي وضعه جاره في السطح قبالة مكتبه حتى أزعجه عن التفكير والكتابة بصياحه فأرسل خادمه ليشتري هذا الديك ويذبحه ؛وحينها شعر أخيرا بالهدوء والراحة وتفرغ لكتابته؛ والمفارقة أن الجار لم يوافق على بيع الديك أصلا وبقي الديك في مكانه مستمرا بصياحه لكن إيمانويل لم يشعر بوجوده إلا بعد مدة!! وكل ما في الأمر أنه حين أزاح هذا الديك من تفكيره وعقله أزاح معه ذلك الازعاج الذي نغص عليه حياته، رغم بقاء الديك وازعاجه في نفس المكان!!

وتخيل كم مثل هذا الديك من أفكار سلبية وأراء خاطئة وأعذار واهية قد عشعشت في رأسك رغم عدم وجودها في واقعك.. وتذكر أنك لا تستطيع أن تمنع الأفكار السلبية والأوهام وحتى الشقاء من أن يحلق فوق رأسك لكنك -على الأقل- تستطيع أن تمنعها من أن تعشعش فوق رأسك.. فسعادتك ملك يديك وبقرارك أنت