يروى أن مصطلح الجدال البيزنطي ظهر حين حاصر محمد الفاتح القسطنطينية وكان القادة البيزنطيون آنذاك مشغولين عن خطر الحصار بالنقاش عن كم عدد الملائكة التي تستطيع الدخول في ثقب إبرة
وما أنهى هذا النقاش بينهم إلا دخول الفاتح للقسطنطينية؛ فظهر حينئذ مقولة الجدال البيزنطي كناية عن الجدل العقيم الذي لا ينفع شيئاً.

وأقول بفلسفة أن التاريخ حيادي لا ينصر أمة على أمة إلا بما تعده الدول من قوة وعتاد وتخطيط وعمل.. فالمسلمون منذ بداية عهودهم وهم يحاولون فتح القسطنطنية ولم تنجح جميع محاولاتهم رغم قوتهم آنذاك؛ وحين انشغل البيزنطيون بتوافه الأمور استطاع المسلمون بعد قرون فتح بلادهم.

وقس على ذلك ما حدث في الأندلس التي لم تسقط لقوة الإسبان بقدر ما كان السبب انشغال المسلمين عامة وملوكهم خاصة بسفاسف الأمور عن معاليها.. فالحاجب المنصور مثلاً استطاع في ربع قرن وبعد 54 معركة أن يعلي قوة الأندلس حتى أخضع ملوك النصارى كلهم، وفي عام 399هـ ضاع كل هذا لما تولى ابنه عبد الرحمن الملقب بشنجول الحكم فضيع الأمة بجهله وضعفه وزاد هذا الضياع ضياعاً أن كل حاكم بدأ يعلن استقلاله عن الأندلس حتى صارت الأندلس تلك الدولة القوية وتلك الأمة المزدهرة بحضارتها 22 دويلة بدلاً من دولة واحدة! وتصور أن جهد ربع قرن يضيع في عام واحد.. والتاريخ لا يجامل أحداً.

فالنصر لا يتأتي إلا بالعمل وأما الاتكال على مقومات النصر مهما كانت وبلغت دون عمل فلن يجدي شيئاً، وقد قرأت أن الهزائم لما توالت على مصر أيام حربها مع الحبشة إبان عهد الخديوي إسماعيل الذي طلب من علماء الأزهر قراءة كتاب صحيح البخاري لجلب البركة والنصر؛ فلما استمرت الهزائم اشتاط غضباً على العلماء وقال إما أنكم لستم علماء أو أن هذا ليس صحيح البخاري؟! وما ذنب صحيح البخاري وما حيلة العلماء إن غاب العمل وكثر الاتكال وضاع التوكل ومات الأمل.