برزت العديد من التعريفات التي تناولت مفهوم الموهبة و الموهوب إلا أن غالبيتها تتفق في نقطة مشتركة وهي أن الموهوب فرد ذا قدرة عالية وإمكانية فريدة بحيث يستطيع أن يؤثر على جانب كبير من الحياة، كما أن الموهوب يمتلك أسلوب ابتكاري في مجال معين أو عدة مجالات أخرى، كالبروز في الموسيقى و الألحان، أو الفنون و الرسم، أو المسائل الحسابية الرياضية وما إلى ذلك من المواهب المتعددة، كما تظهر أهمية الموهبة في تنظيم برامجها و رعايتها إلى إعدادات خاصة تلبي الاحتياجات في المساعدة على إبراز وتنمية الموهبة و العمل على تطويرها و استمرارها بالشكل السليم و الطريق الصحيح، ونشهد تعدد النظريات الأساسية في تربية الموهوبين على الرغم من اتفاق العلماء على اختيار برامج موحدة لرعاية الموهوبين، بحيث يكون مناسب لدعمهم في مختلف الفئات العمرية ، كما يدعم ذوي الإعاقات والاحتياجات، وأيضًا يتم تقسيم البرامج بأنواعها المختلفة للطفولة و الشباب، ويتم بعد ذلك تقديم الخدمات و الاحتياجات التي يتطلب وجودها الأساسي لدعم الموهبة و الموهوبين، ومن ثم يتم تحديد قدرة كل فرد ومستواه وطريقه دعمه الممكنة ، وتطويره وتنميته ليتم الاستفادة من الموهبة بأكمل وجه.
ومما يستحق أن نطرح سؤالاً عن ما اذا وجد الموهوبين في العصور الماضية، ومدى اهتمام دول العصر القديم بالموهبة والموهوبين؟
اعتنت المجتمعات قبل و بعد الإسلام بالبحث عن الأشخاص الموهوبين وتبنت رعايتهم والإشراف على مواهبهم، فكما نجد في القرن الرابع قبل الميلاد حيث ركز أفلاطون على أهمية اختيار الأطفال و الشباب الذين يمتلكون القدرة العقلية ليتم تعليمهم وتقليدهم مناصب في الدولة، ونشهد في دولة الرومان بحثهم عن الموهوبين وجعلوا لهم برامج خاصة تدريبية تنمي الموهبة لدى كل فرد منهم.

ونشهد العناية العظمى بالموهوبين لدى المسلمين في مختلف العصور حينما قاموا بالبحث و الاقتناء للمتميزين و الموهوبين و البارعين في سرعة الحفظ و قوة الملاحظة وسلامة التفكير ، ويتم تحفيزهم بالإكراميات اللائقة من الحكام،ثم أخذت الكتابات تتوالى في التأليف عن الموهوبين حتى القرن التاسع عشر فنظمت الكتب في المواهب الفطرية، وأشارت الدراسات إلى حدوث تطورات في عدة برامج لرعاية الموهوبين نأخذ على سبيل المثال المدارس الحكومية الأمريكية حيث قامت بتجميع الموهوبين في مجموعات داخل الفصول و إعطاءهم منهج خاص وتمت رعايتهم للاحتياجات اللازمة و الخدمات المقدمة لهم، كما نجد دراسة بعنوان (البيئة الأسرية الداعمة لنمو الموهبة كما يدركها التلاميذ الموهوبون وعلاقتها ببعض المتغيرات الديمغرافية) وهي دراسة حديثة في منطقة الخرطوم، لمحمد عبد العزيز الطالب، هدفت إلى الكشف عن مستوى الأسرة الداعمة لتطوير الموهبة، وطبقت على تلاميذ مدارس الموهوبين واستخدم فيها الباحث استمارة البيانات الأساسية ومقياس الأسرة الداعمة، وأسفرت بنتائج متعلقة للموهبة بالدعم الاقتصادي للأسرة و الدعم المادي، وعلاقة عكسية على تعلق الموهبة بعدد حجم أفراد الأسرة، وتوالت الجهود في عدة دول ومناطق مختلفة .

كيف تمت رعاية الموهبة والموهوبين في العصر الحديث، وماذا فعلت الدولة للاهتمام بهذه الفئة المتميزة وما إمكانيات استمرار الموهبة بعد الدعم والتنمية؟
نجد في المملكة العربية السعودية رعاية الموهوبين بشتى الأصناف و القدرات، منها إنشاء الكليات للعلوم و التقنية ويخضعون لبرنامج خاص بهم ينمي من خلاله موهبتهم الفريدة واستمرارها في هذا المجال، كما نجد برامج أخرى متعددة كالبحث و الكشف عن الطلاب الموهوبين في المدارس ، وتم استحداث نظام يدعى (برنامج الكشف عن الموهوبين ورعايتهم) ، وجعلت له أنظمة محددة لمقياس الموهبة ونوعها وتحديد ما إذا كانت عالية وفريدة في مستواها، وإمكانية تطويرها وتنميتها، ثم أنشأت الإدارة العامة لرعاية الموهوبين و الموهوبات، وتوحدت الجهود المبذولة من العاملين على حد سواء.

ما مدى الوعي الثقافي عن الموهبة و الموهوبين لدى المعلمين و الأسرة والطلاب والأفراد والمجتمع بأهمية الموهبة ، وما التصورات الخاطئة عند البعض عن الأشخاص المالكين للمواهب الفريدة؟
أظهرت الدراسات عدة تصورات خاطئة وجسيمة عن الموهوبين لدى المعلمين بشكل كبير جدًا، ويكمن الخطأ لديهم في تصورهم للموهبة، وتقدير مستوى الذكاء، و التشخيص الخاطئ للموهوبين، وهذا يدل بالتأكيد على أن معدل التصور الصحيح للموهبة و الموهوبين لدى المعلمين منخفض، وذلك ربما يكون بسبب اهتمام المعلمين بالطلاب المتفوقين دراسيًا فحسب، دون النظر إلى ذوي الموهبة في غير المواد المتعلقة بالدراسة، إلى ذلك يتم التواصل من المدرسة أو المعلمين العاملين على تنمية المواهب مع الآباء، ويتم تدريب الأسرة أيضًا على بعض المهارات البسيطة التي قد تساعد في صقل الموهبة لدى أبنائهم كالاستماع إلهم، والتواصل الفعال معهم، وتلبية احتياجاتهم ومسايرة طرق التفكير لديهم، وبذلك تتكامل الجهود المبذولة من العاملين على الموهبة مع جهود الأسرة في المنزل؛ ليصبح مالك الموهبة قادرًا على إبراز موهبته بمساندة أهله ومعلميه ، وبهذا التواصل البناء يتم تنمية المهارات و المواهب الفريدة، كما يعتقد البعض بأن الفرد الذي يمتلك الموهبة ليس بحاجة إلى الدعم و المساندة وهذا تصور خاطئ قد يؤثر على تطوير وتنمية هذه المهارة، كما يتصور البعض أن الطالب الموهوب لا يعاني من أي مشاكل دراسية أو نفسية ، فهو موهوب ويجد الحلول دائما للخروج من أي مشكلة قد تواجهه، وكما يتصور البعض أنه على الطلبة الموهوبين أن يتولوا أمورًا إضافية وعليهم مساعدة الطلاب الآخرين و تحميلهم مسؤولية أكثر من اللازم وهذا خطأ فادح، ولا ينمي الموهوبة فربما يقضي عليها.

هل هناك مؤثرات خارجية تعمل على تأخر نهضة المجتمع في إقامة البرامج التي تحتوي الأشخاص الموهوبين، وما الأسباب الدافعة إلى ذلك؟
ومن العوامل التي تؤدي إلى تاخر ظهور برامج الرعاية للموهوبين وتكون سببا في ذلك منها: حاجة الأفراد الموهوبين من ذوي الإعاقات إلى الاستقلال و الاعتماد على أنفسهم، كما نجد عدم الاهتمام الكافي من الأسرة في حصول أبنائهم على البرامج المتاحة و الخاصة للتطوير الموهبة لديهم، وكما نجد كثيرًا النظرة الغير لائقة بالأشخاص الموهوبين من ذوي الإعاقات مما يجعل في الأمر عدة صعوبات متقدمة.

وختامًا وكما نأمل دائما في الرقي إلى أعلى مراتب الموهبة للأفراد الموهوبين و الموهوبات، والعمل على الاستعدادات اللازمة لإنشاء البرامج و المعاهد الخاصة بتنميتها و تسييرها في الطريق الصحيح.