تُمثل الأنثى للرجل الشرقي الشيء الكثير فهي الوعاء والفِراش والمربية والقائمة بشؤون المنزل منذ بلوغها وحتى خروج روحها من جسدها ، ذلك التمثيل يعود لعدة أسباب فالإنسان ابن بيئته وجميع المجتمعات القديمة لديها نفس النظرة بل أشد من ذلك ، المجتمعات العربية تحررت وانعتقت من الجاهلية الدينية لكنها ظلت متمسكة بجاهلية العادات والتقاليد خصوصاً إذا كان الأمر مُتعلقاً بالأنثى فهي عار على أسرتها وعارُ لا يغسله إلا الدم إذا خرجت من دائرة المجتمع وتحررت من قيوده الظالمة ، عندما أختلط الخطاب الديني بالعادات والتقاليد انتج سلوكياتِ وممارساتِ لا صلة لها بالدين فعلى سبيل المثال مارس الخطاب الديني حرباً ضروساً ضد المرأة واستدعى قصص تاريخية وعاداتِ قديمة والبسها لباس التقوى فكانت النتيجة لف المرأة بقطع القُماش وإلزامها بتلك القطع والحد من حركتها وطموحها الذي رُبط بمدى تمسكها بتلك الأقمشةِ السوداء ذات المنظر الكئيب .

الحشمة الحقيقة ليست في قطعة قُماش تغطي المرأة من رأسها إلى أُخمص قدميها بل في القلب والقلب يتحكم في العقل وهذا مقر الحشمة الدائم والحكم على الناس من زيهم يشبه الحكم على مدينةِ يشاهدها من يحكم من نوافذ طائرة تسير بسرعةِ هائلة ، الأزياء ليست ديناً يجب التقيد به بل هي سلوكيات ذات أبعادِ ثقافية واجتماعية ومع انعتاق المجتمع وتحرره من براثن الصحوة ودخوله عالم المدنية وسيادة القانون وانفتاحه على مختلف الآراء والثقافات البشرية الحية بتنا نُشاهد تغيرات واضحة في المشهد فبعد أن كانت المرأة تتوشح بالسواد أصبحت تتوشح بما تراه مناسباً دون قيدِ أو شرط فعفتها ليست مرتبطة بزي معين مثلما كانت الصورة في السابق ، ماحدث لم يعجب البعض ولن يعجبهم طالما هم مؤمنين بأن المرأة يجب أن تكون سوداء لا تخلع سوادها إلا إذا دُفنت في التراب وهذه معادلة صعبة الحل فالمرأة مدفونه حيةً وميته والتشدد وأدها ونال من إنسانيتها وكرامتها ، لماذا المرأة بالذات من تتعرض للعنف والتشدد لأنها ناقصة عقلِ ودين ولانها مخلوق خُلق لمتعة الرجل وتفريغ شهوته متى ما أراد وهي قابلة للإنحراف لأنها ضعيفة ومستهدفة من الغرب الذين يسعون لتحطيم الأسرة المُسلمة ونشر الدعارة في أوساط المسلمين الانقياء ، هذا منطق البعض منطقُ يؤمن به كل من لقنته الصحوة وعاصر حقبتها المظلمة وما يزال ذلك المنطق يتردد على المشهد مصوراً المرأة بصورةِ مُخجلة وكأنها لا تستطيع التحكم في رغباتها التي لاتقل قوةً عن رغبات من يتحدث عن عفتها ليل نهار .

المنطق السليم يدعونا إلى ترك المجال للمرأة لأن تختار بنفسها ما تشاء خصوصاً بعد أن دخلنا مرحلة تقنين بعض الأنظمة وتعديل وإقرار أخرى ترتبط بالشأن الأسري والشأن العام بشكلِ مباشر ، لائحة الذوق العام قضت على صراخ البعض والقت بأفواه أصحاب نظرية المؤامرة حجراً فاللائحة ركزت على الحشمة والذوق العام وتركت المجال مفتوحاً فالمرء يحدد ذلك وليس الخطاب الديني ، لو تمعنا قليلاً في المشهد لوجدنا أن المرأة في مجتمعنا لم تخالف الذوق العام فهي على قدرِ عالي من الوعي والحكمة واهتمامها بزيها نابعُ من فطرتها فهي تحب الجمال مثلما هي منبعه الذي لا ينضب ، جمعينا يعرف من يخدش الذوق العام ممن يتمظهر بالرجولة والشجاعة وهي بعيدةُ عنه ويخرج علينا مرتدياً قميص النوم وملابسه الداخلية ، قد يحدث بعض التجاوزات من بعض الفتيات لكن ذلك لا يعني أن المرأة على خطاءِ مُستمر فالخطأ ليس من فطرت الأنثى ولا من صميم تكوينها فهي للحياةِ عنوان مثلما هي للجمال مدرسة وعنوانِ لا يراه من في قلبه كراهية لذلك المخلوق والتجاوزات مردها إلى سرعة التغيير التي أحدثت ربكة عند البعض مثلما أحدثت صدمة عند من كان يُردد حدثني أحد الثقات .