كما ترضعون أبناءكم اللبن أرضعوهم حب الوطن

فالوطن هو سياجُ الآمان، هوالترابُ الذي نمشي عليه، وترتمي عليه أجسادنا المتعبة ، وهو السماءُ التي تظللنا، والغيث الذي يمطرنا،هو هويتنا، هو قضيتنا !

هو بوابة عبورنا للنجاح ، هو ميزاننا في الأمم ، هو حبنا الموشوم في الصدور ، هو ملاذنا ، وترابه أحب إلينا من أولادنا ، وأرواحنا !

لن يعمره سوانا ، ولن يمزقه أيضًا سوانا…

مذ فارقت مشيمتنا أمهاتنا ، أصبح الحبل بيننا وبينه لاينقطع، تلقانا من وطننا الأول ليستقبلنا بكل حبٍ وكرامة ، ويحتوينا بكل لهفةٍ وجسارة، منحنا الحق في التطعيم، و التعليم، والغذاء، والدواء، وكل متطلبات الحياة والإحياء، احترق لنشتعل، تفتت لنتجمع، سهر لننام، جاع لنشبع، فكروعمل لكي ننهض، تنازل لنرتفع، تراجع لنتقدم ،أعطى لنأخذ!

هذا هو الوطن الذي وقفنا أمامه غرلًا محجلين غير عابئين ومكترثين ولامقدرين قيمته، فلا يهمنا أو يشغل بالنا أراضيه تتسخ، بحاره تتعفن، أنهاره تأسن، ثرواته تبدد، مبانيه تتهدم…لايهمنا فهو المسؤول والواهب ونحن المبرؤون من العواقب،والمنتظرون لأخذ الموارد!

يا أمهات الوطن علموا أنفسكم، وعلموا أولادكم، ومن استطعتم بكل السبل

علموهم أنّ الوطن جرحٌ وشرخٌ في القلب إن كانت سكاكينه تحملها أيادينا، وعلموهم أنّ الإنسان بلا وطن تائهٌ وحيران، ممزقٌ وعريان، مهما حاول الوصول تعثر، ومهما حاول أن يشرب ماءًا نقيًا تعكر، علموهم أنّ الوطن جسدٌ وروحٌ، قصة عشق تبوح وتبوح، ليالي أندلسية ،وأبراجٌ فارسية ، وزهورٌ بنفسجية، وعطورٌ باريسية، براكين حب، وزلازل شوق، فصول الربيع والشتاء، وحكايا الخريف والصيف، ذكريات طفولة ورعونة شباب، وروايات هوى، وحكمة كهول ،النسيان لكل شيء والذكرى تبقى للوطن .

هذا الوطن الذي ينتظركم أن تكونوا الذوات القوية فتعمروه، ولاتكونواالمفلسين فتبيعوه ، فكم من أقوام باعوا وطنهم وهاهم اليوم على أطلال أوطانهم يبكون، ويولولون وللعالم يصرخون… ياوطن!

في السجود وفي الدعاء امنحوه حق الدعاء، وفي العلم والعمل كونوا العظماء، وفي أحاسن الأخلاق كونوا السفراء، كونوا أنتم ليكون وطنكم أنتم ، قفوا كالشظية في عين من يريد أن يؤلبكم عليه، وكونوا كالشوكة في حلوق من يبغضكم فيه، كونوا وحدة واحدة، ولاتفرقوا فيفرق الله بكم عن سبيله، كونوا له الجمال فالوطن هو الجمال

كونوا له السعادة فالوطن هو السعادة

كونوا له النجاح فالوطن هو النجاح وهو الفلاح

هو الأب، وهو الأم، وهو الابن، وهو الكنز، وهو الدرجة الرفيعة، هو أنت ،وأنتِ، وهم، وأنتم، ونحن ، وكلنا أرواحنا، وأموالنا، وأولادنا لوطننا رخيصة، فلترضعوهم يا أمهات الوطن حب الوطن كما ترضعوهم اللبن، وإن لم ترضعوهم فحب الوطن غريزة.