لكل شيء في هذه الحياة جانب مظلم كالقمر الذي يخفى خلف بهاء نوره جانباً مظلماً، ومع ذلك بقي القمر جميلاً في أعيننا لأننا لم نرَ ظلمته وجانبه القاتم.. ومن اللطائف في هذا الصدد ما روي أن كسرى الفرس كان يحب أكل اللحم لكن ساقه سوء حظه ذات يوم فرأى كيف تذبح تلك الشاة وتسلخ ثم تقدم له بعد ذلك على طبق من ذهب فعافت نفسه أكل اللحوم..!

لهذا أقول أن الجهل أحيانا ببعض الأمور يبقي استحساننا لها.. وشخصياً كنت ولا زلت معجباً بأحد الكتّاب المعاصرين حتى أني اقتنيت كل كتبه لكن متابعتي له على مواقع التواصل أظهر لي شيئاً من جانب عقله المظلم فانقلب ذلك الاعجاب الكبير إلى شيء من النفور وددت حينها أني لم أتابعه! وقس على ذلك أمور الحياة وعلاقاتنا مع الآخرين فالبعض يزدان في عينك كلما بعدت عنه وكلما اختلطت معه بدت له مساؤه وتجلت لك عيوبه فكان حفظ الود من بعيد خير لك نفور يتجلى من قريب!

وقد روى أنيس منصور في كتابه ” والله يا زمان حب ” أن امرأة كانت تعشق الفنان صلاح طاهر وتراقبه كل يوم حتى يغلق أضواء غرفته لتعود إلى بيتها بعد أن أشبعت فضول قلبها بمتابعة حركاته وسكناته؛ حتى حزنت زوجته عليها – ولكم أن تتخيلوا أن الزوجة تحزن بدل أن تغار!- فطلبت منها القدوم إلى البيت لترى هذا المعشوق على طبيعته وهو يصرخ ويزمجر بشعره المنكوش وثيابه المبهدلة..!! فأدركت تلك العاشقة حينئذ أن فاتنها المنشود كباقي البشر!

وفي صعيد التاريخ والأدب فكلما تعمقت في صفحاته ذُهلت من عثرات بعض أساطيره؛ فمن يتخيل أن المتنبي الذي ردد الملوك والسلاطين عذب أشعاره وعظيم فصاحته وسائر أمثاله؛ ينزل بسلطان بيانه إلى قاع هذيانه ويهجو رجلاً يدعى ضبة الأسدي بقصيدة يستحي من ألفاظها مراهق بين صحبه! ومن يتصور أن الرافعي صاحب وحي القلم يخوض معركة أدبية في رده على هجوم العقاد المتكرر الذي ترصد به الدوائر في أكثر من مناسبة؛ فرد الرافعي الصاع صاعين بكتابه على السفود الذي فضل الرافعي بنفسه نشر هذا الكتاب دون ذكر اسمه لما فيه من أهوال!

وطبعاً يبقى الجانب المنير أسمى وأبهى لهؤلاء العظماء من جانب مظلم طغى فيه منافسة الأقران وشهوة النفس وسلطان الغضب على جنبات العقل وهم أصحاب الحكمة بأنفسهم؛ ليدرك المرء أن الكمال عزيز ومهما سعيت فلك جانب مظلم فاستره بحسن كلامك وسخاء خلقك.. فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء.