كان أبو جعفر النحاس- وهو من أعلام مصر في النحو واللغة- جالساً يوماً عند درج يقاس به ارتفاع نهر النيل وكان يقطع حينها بيتاً من الشعر باستخدام علم العروض فمر عليه رجل وسمع تقطعيه للأبيات فظن أنه يسحر النهر لكيلا يزداد فدفعه برجله في النهر فسقط ومات غرقاً!

وأقول إن كنتم من مستخدمي مواقع التوصل (ومن لا يستخدمه في هذا الزمان) فقطعاً أنكم شاهدتم أمثال هذا الرجل الذي سبق حكمه عقله وقتل رجلاً بجهله حتى قبل أن يسأله؟! ومحال أن تدخل صفحة أحد من المشاهير أو الدعاة إلا وتجد الأحكام الهوجاء عليهم والظنون المقيتة بهم بل حتى الدخول في النيات التي لا يعملها إلا الله سبحانه

لهذا أؤمن تماماً أن أكثر الناس جهلاً هم -غالباً- أكثر الناس حكماً ونقداً على غيرهم بل ربما سباً وشتماً بل حتى قتلاً واغتيالاً! كما فعل ذلك الرجل الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ رغم أنه لم يقرأ لنجيب أي شيء!! ومرد هؤلاء كلهم أن عقولهم لا تستوعب أبعاد الأمور فيحكمون على الجميع من زاويتهم الضيقة؛ ومن اللطائف هنا أن عباس بن فرناس على علو كعبه في العلم كان يُتهم من البعض في زمنه بفعل السحر لأنهم ببساطة لم يدركوا علمه فأسهل الطرق لهم اتهامه والطعن فيه!

وقد أعجبتني حكمة قالها الشيخ صالح المغامسي إن الجرة كلما امتلأت ماءً قل ضجيجها وبالمقابل كلما قل ماؤها سمعت ضجيجها في أي حركة لها وهذا ما ينطبق على العالم الحقيقي الذي قد امتلأ علماً لهذا قل انكاره وحكمه على الناس لأن عقله يعرف أن للأمور والمسائل أبعاد أكبر في حين تسمع ضجيج الآخر وصياحه في كل مسألة لأن الكل عنده على خطأ لأنهم باختصار خالفوا عقله؟!

وحتى لا أدعي المثالية فأنا شخصياً قد انتقدت قديماً فعل أحدهم وحكمت عليه وكان معي حينها صديقي خالد الذي كان طالباً في الماجستير آنذاك فكان على إطلاع بدراسات الحديث واختلاف المذاهب فقال إن كان فلاناً على مذهب الشافعية فهذا الأمر عندهم مباح فاستحييت من حكمي وجهلي!! وبالمناسبة قد يرى البعض أن في الحظر لمثل هؤلاء في مواقع التواصل ضعفاً وانهزاماً لكني أراها انتصاراً وأي انتصار أعظم من شراء الدماغ وراحة البال؛ فنعم دورنا أن نعلم الجاهل حتى يرتقي لكن كلامي هنا عن أصحاب السب والشم والطعن والنقد الجارح لا البنّاء فهؤلاء ارمِ عليهم الحظر ثلاثاً ولا ملامة.