أيامُ قليلة تفصلنا عن يوم الحج الأكبر يوم عرفه الذي يتساوى فيه الناس على صعيدِ واحد ، ذلك اليوم الذي ينتظره المسلمون الواقفون على صعيد عرفات ليغفر الله لهم كما ورد في الأثر ، جميع الديانات السماوية تشترك في عباداتِ وإن اختلفت طقوسها والحج واحدةُ من تلك العبادات التي يشترك فيها جمعُ كثير من البشر فالقواسم بين الأديان كثيرة والعاقل من نظر وامعن النظر في تلك القواسم المهملة كراهيةً وتطرفاً ، بعد عرفات يوم العيد الذي يتسابق فيه الناس إلى تقديم القرابين شكراً وحمداً لله فالأضحية قربان والقادر على تقديم القرابين يجتهد في تطبيق شروط ذلك القربان ، أحاديثُ كثيرة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل يوم عرفه والحث على صيامه وفي فضل عشر ذي الحجة ، تلك الأحاديث بعضها مرفوع وبعضها موضوع وتحدث جمعُ كثير من الباحثين عن عدم صحة بعضها وخطأ نسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام كذلك تحدث جمعُ عن الأضحية وهل هي سُنة أم واجبه والعابد بين أقوالُ لا نهاية لها .
العادة مخ العبادة كما يُقال فهناك عاداتِ تحولت فيما بعد لعبادات فالمجتمعات عندما تعتاد على أمرِ ما فإنها لا تستطيع الانعتاق منه بسهولة بل تنزله في أحايين كثيرة لمستوى مقدس ومن آراد التأكد من ذلك فعليه بالقراءة في تاريخ الشعوب والمجتمعات وعاداتها وتقاليدها واعرافها المختلفة ، في السابق كانت هناك قطعيات لا تقبل الشك أو التأويل وكان هناك رأيُ واحد لا يمكن أن يكون خطاءً وهذه حالة سلوكية ثقافية لها مسبباتها لكنها حالة مريضة شاذة فالرأي الواحد خطاء ولو كان صواباً وهذه قاعدة يهملها المجتمع العربي ويضرب بها عرض الحائط ، اليوم ومع تعدد الآراء أصبحنا نرى تصرفاتِ لم تكن مألوفة تصرفاتِ عفوية فطرية لا يقف ضدها عاقل وصاحب قلبِ سليم ، الطرح الذي كان يحث الناس على فعل عباداتِ لم يعد بالقوة التي كان عليها فذلك الطرح اصطدم بالوعي وبالتعددية وبالأقوال التي لا تحث الناس حثاً بل تترك له المجال ليختار هل ما يقوم به واجب أم سُنه أم انه عادة تحول بفعل الزمن وعوامله لعباده ، من الأقوال التي حركت المياه الراكدة عدم صحة حديث صوم يوم عرفه وفضل ذلك اليوم على سائر الأيام وهذا ما حدى بالبعض لأن يتهم من يقف بمنطقة عدم الصحة بأنه ضد شعائر الدين وحرية التدين ، التدين الصحيح والمقبول الذي يثاب صاحبة هو الذي يكون متماهياً مع العقل قبل العاطفة لا تسقيه الخرافات ولا المرويات المشكوك في صحتها ، من حقك أن تعبد الله بالطريقةِ التي تراها لكن ليس من حقك أن تفرض رؤيتك وطريقتك بشتى الطرق وتدعي الصحة وأنت كل ماتقوم به سوى التقليد ، تقرب إلى الله لكن لا تجعل تقربك طريقة لا تقبل النقاش فالله موجود بلا مواسم وتشارلي تشابلن يقول(أن الله ليس حكراً على بشر دون آخرين، بل هو موجود في قلوب الناس .. كل الناس) وفي مقولته حكمة بليغه يجهلها الأغبياء .