من منا لا يعرف فيلم الرسوم المتحركة الشهير ” الأسد الملك ” من والت ديزني الذي له بالغ الأثر على معظم من شاهده من الصغار والكبار -حتى هذا اليوم- وبنظري أعتبره من أفضل الأفلام التي جسدت الصراع بين الخير والشر يعكس واقعا –للأسف في عالمنا العربي- بقالب فني جميل وكيف يكون الحقد والطمع الأعمى في شخصية ” سكار أخ الملك ” واستعانته بالشرذمة “الضباع” كفيل بتغيير ملامح المستقبل وتهديد دائرة الوطن واختلال الاستقرار.

ومؤخرا والت ديزني أعادت صياغة هذا الفيلم على شكل قالب واقعي افتراضي أي أن المشاهد كلها افتراضية وليست حقيقية إلا أنه للأسف الفيلم خاب ظني فيه ونسخة الرسوم المتحركة إخراجها وملامحها البريئة المترسخة في أذهاننا أفضل بكثير من النسخة المستحدثة التي هي أقرب للأفلام الوثائقية! على الرغم من أنها حققت إيرادات مرتفعة وهذا طبيعي في فصل الصيف، وهنا دار نقاش لطيف مع الزميل الناقد السينمائي حمد الريامي تحدث فيه عن مستقبل منصات مشاهدات الفيديو الرقمية أمثال نيت فليكس وامازون برايم وأبل تي في وعن واقع هذه المنصات الحالي وما سيخبئه المستقبل، وأثناء حديثه عن الفيلم السالف الذكر بالتحديد أبدى انتقاده –والذي أتفق معه- في أن الفيلم هدفه استغلال جيوب ومحبة المشاهدين القدامى في تحقيق الأرباح وحتى لو على حساب جودة الإخراج والمنتج النهائي !
وقد لفت نظري في كلامه أن والت ديزني أرادت إيصال رسالة مفادها أن في المستقبل ستتغير أدوات التمثيل وصناعة المَشاهد-بفتح الميم- وإمكانية الاستغناء عن الممثل التقليدي وهذا يعني ابتكار ممثل رقمي أو واقعٍ افتراضي خيالي يعيش في عدة أجيال وبإمكانه تغيير ملامحه ليتناسب مع تقدم العمر حتى الاستغناء عنه على غرار التقنية ذاتها المستخدمة في الفيلم الأخير للأسد الملك، وعلى إثره يفتح باباً جديدا لشركات الإنتاج المرئية الضخمة وحتى التقنية تسيل لعابها في تحقيق الأرباح مع تلافي أجور وتكاليف أجور الممثلين الباهظة والكمبارس وغيره من متطلبات التراخيص والإجراءات والاعتماد الذاتي على أدوات المونتاج الرقمية الجديدة والمتجددة التي أصبحت تقدم مادة واقعية دسمة بسيناريو ممتع وإخراج احترافي من الممكن أن ترضي مختلف الأذراق.

وإذا ما علمنا أن عجلة التطور التقني والذكاء الاصطناعي في تقدم مستمر وستصبح صالحة للاستخدام بشكل أسهل عن ذي قبل وهنا يظهر خطر من نوع جديد يكمن في إمكانية إتاحتها كأداة يمكن تحميلها واستخدامها في أي زمان ومكان، مما يطرح آفاقاً ومخاوف وتساؤلات جديدة في موضوع الأمن و الخصوصية والاستخدام الخاطئ وهو أنه كلما تطورت الحلول والأدوات الرقمية زادت من سهولة استخدامها من قبل الأفراد! وتصور عزيزي القارئ أن تصل مثل هذه الأدوات إلى الأيادي الإرهابية أو الأذرع الإعلامية التي تخدم أجندة ودول معادية في هدم الأوطان بطرق بشعة تخدم مصالحهم، والمثال الحي على سهولة الحصول على الأداة التطبيق الذي ذاع صيته Face app و انتشر كالنار في الهشيم على الرغم من تحذيرات المتخصصين الأمنيين وعدة وسائل إعلامية. وأيضا من الممكن أن ندرك بعض ملامح المستقبل القادم في خريطة الموارد البشرية والذي أرجو من حكومات بلداننا العربية التدخل حتى لا تظهر بطالة من نوع جديد واحتكار من مؤسسات أو شركات عابرة للقارات تفرض واقعا جديدا في التدخل السيادي للبلد بطرق غير مباشرة، بوضع ضوابط وتشريعات قانونية تنظم مسألة إتاحة هذه الأدوات الرقمية خصوصا تلك التي تجسد الواقع الافتراضي أو التي تستخدم الذكاء الاصطناعي على مستوى الشركات وعلى مستوى الأفراد ومثل هذا التصور لابد أن تراعيه الجامعات والمؤسسات المهنية في تبنّي تخصصات و أبحاث جديدة تقدم كوادر قانونية وتقنية وأمنية وشرعية وتخصصية متمكنة بالتعامل مع هذه الحالات خصوصا الأبحاث المتخصصة في سيميائيات الصورة (البصرية) التي باءت هي المسيطرة في عالمنا اليوم بسبب تفضيل الناس المشاهدة أكثر عن القراءة.