مطبخ السياسة الأمريكية لا يهدأ ويحضر لمائدته العديد من الاستراتيجيات على الرغم من الأحداث الجارية في منطقتنا العربية.
عقوبات جديدة ضد الصين تضمن منع ترخيص نظام أندرويد من قوقل وتطبيقاتها لأجهزة هوواي المحمولة المستقبلية، والصفعة الأكبر حظر أية تعاملات من مختلف المزودين التقنيين مثل “إنتل” وغيرها مع العملاق الصيني مما شكل ضربة موجعة للاقتصاد الصيني خصوصا أنه دخل الأسواق بقوة في السنوات الأخيرة.
لكن العديد منا ينظر إلى الوضع من زاوية متحيزة ومتعاطفة مع هوواي، لذا لنلقي الضوء حول موقف الولايات المتحدة بعيدا عن الأعذار التي قيلت بأن هوواي تمارس التجسس أو أنها مؤسسة تابعة للحكومة الصينية، أو أن قوقل مسيسة واتفاقيات التجارة الحرة وإلخ…
شركة هوواي لها استثمارات قوية وعقود مع شركاء مختلفين إلا أن الشركة يعيبها أمور أوصلتها إلى هذا الحد من الخطر فهي ليست كسامسونج أو لينوفو أو تويوتا أو حتى نيتندو على سبيل المثال، فتلك الشركات بمختلف أنشطتها التجارية تخدم الاقتصاد الأمريكي وساهمت بشكل أو بآخر في تحقيق الأرباح والنمو المعتدل و “التنافس المعقول” وتبادل الخبرات والحد أو التقليل من البطالة، وهذا يعني ضمان المصلحة المتبادلة والمستدامة مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ، وبالتالي حققت المطلوب في بلدها الأم من حصاد الأرباح من جهة كمصنعين ومطورين ومن جهة أخرى تعزيز ثقة العملاء وإفادة سوق المستهلك بما يخدم المناخ الاستثماري الأمريكي و تحسين “جودة الحياة”.
وأيضاً شركة هوواي شركة ذات نمو مرتفع جدا واستحوذت على نسبة كبيرة مؤخرا من الكعكة السوقية بالمنافسة مع نظيراتها أبل وسامسونج، وتتخذ سياسة عنيدة ومتحفظة ضمن بيئة احتكارية من ناحية التصنيع والتجميع والتطوير فهي لا تُلق اعتباراً لمفهوم (الشراكة التجارية) التي تحقق التنمية والفائدة للطرفين على غرار الشركات الآسيوية، مما جعلها مصدر قلق للولايات المتحدة والقرار الأخير ما جاء إلا لحماية (الأمن الاقتصادي الأمريكي) وهو قرار في محله وأي دولة من حقها أن تمارسه لحماية اقتصادها من التهديد في سوق استهلاكي بمثل حجم سوق الولايات المتحدة ومعروف هناك حدوداً حمراء فيما يتعلق بجيب المواطن الأمريكي.
ولتقريب الفكرة، شركة سامسونج لها تعاون مثمر مع “شركة كوالكوم” الأمريكية المعروفة في صنع المعالجات القوية وأنشطة الاتصالات للأجهزة المحمولة المستخدمة في أجهزة الأندرويد فتدشن أجهزتها بمعالجات تلك الشركة في السوق الأمريكي وبقية الأسواق تدشن معالجاتها مع العلم أن الاختلافات بين المعالجيْن طفيفة، وأيضا مع شركة أبل فيما يتعلق بتوريد القطع الفنية لتصنيع جهازها الأيفون، مع العلم بأن سامسونج لديها شركة بحجم دولة وهي -على غرار هوواي- لديها الاكتفاء الذاتي من التطوير والتصنيع لكنها تؤمن بمبادئ التجارة والاستثمار وتبادل المصالح مما أكسبها الثقة في مختلف الأسواق العالمية وبالذات مع سوق الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ما لم تتفنن به هوواي فهي تريد أن تتجاوز المنافسين بشكل أسرع وتيرة لتضمن الأسبقية لنفسها كمثال شبكة 5G والتي تعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير.
وأيضاً الحكومة الصينية تمارس احتكاراً وتناقضاً عجيباً، فهي تمنع تطبيقات قوقل الأمريكية وغيرها على مختلف أنظمة التشغيل لكنها بنفس الوقت لا تمنع شركاتها من ترخيص نظام قوقل الأندرويد وتحديثاتها التي تستلمها بشكل مجاني!

ترامب أشار إلى إمكانية التفاوض حول ملف هوواي ضمن المفاوضات التجارية المزمعة، وبرأيي أن هوواي سوف تحذو حذو بقية الشركات الآسيوية ووجودها في السوق ضروري لضمان التنافس المعقول والاستمرارية في قطاع التكنولوجيا الذي يعتبر من أكثر القطاعات حيوية وربحية، وفي نهاية الأمر النتائج ستكون إيجابية لصالح المستهلك الأمريكي والعالمي نحو تقديم تغييرات وخيارات تقنية جديدة.