شاهدت قبل شهور فلما هندياً بعنوان Trapped يحكي قصة رجل يُحبس خطأ في شقة ببناية عالية خالية من السكان ويبقى لأيام بلا ماء ولا طعام ولا كهرباء؛ وفي وسط تلك المعاناة يتذكر الرجل ذلك الروتين الممل وذلك الزحام الكئيب الذي كان يعانيه كل يوم فيدرك حينئذ أن تلك اللحظات الكئيبة والمملة كانت تحمل في طياتها سعادة لم يشعر يوماً بقيتمها!!

وشخصياً أدركت ذلك حين أجريت عملية زرع كبسولات لتثبيت مفصل كتفي؛ فلم استطع وقتها قيادة سيارتي ولا تصفح كتبي ولا النوم كما أعتدت فأدركت أن روتيني اليومي الذي أشتكي من رتابته أحياناً يصبح في أعيننا حينئذ هو قمة السعادة؛ لهذا أقول لا تفكر كثيراً بالمفقود عندك حتى لا تخسر قيمة الموجود لديك؛ ففي حياتنا نعم لا تقدر بثمن لكن تعودنا عليها وتفكيرنا فيما ينقصنا من (كماليات الحياة) فحسب جعلنا يهضم حق ذلك الكنز الذي نملكه دون أن نشعر به.

يقول الطنطاوي في كتابه الماتع صور وخواطر : مهما ساء حالك واشتد فقرك فإنك أحسن عيشة من آلاف البشر بل إنك أحسن عيشة من عبد الملك بن مروان في قصره فقد كان له ضرس منخورة تحرمه لذة النوم ولا يعرف طبيب أسنان يخفف له شدة ألمه وكان هارون الرشيد على كبر مملكته يركب الدواب في وطأة الحر ليسافر شهرا من دمشق لمكة في حين ترحل أنت لأبعد من ذلك في ساعات دون جهد أو مشقة!! فتصور أن هذه النعم كلها عندك ولم تكن موجودة في قصر عبد الملك ولا في ممكلة الرشيد.

بل تأمل ما رواه الغزالي في كتابه جدد حياتك عن سلمة بن دينار أنه قال إنما بيني وبين حياة الملوك يوم واحد؛ فأما الأمس فلا أنا ولا هم يجدون لذته
وأما الغد فأنا وهم منه على وجل
وإنما هو اليوم فقط؛ والمقصد عش يومك واستمتع بأدق تفاصيله استمتع بهوائك ومائك استمتع بكوب قهوتك استمتع بعملك وفراغك استمتع مع أسرتك وصحبك فالسعادة إن لم تشعر بها بداخلك فلن تشعر بها أبداً بها مهما نلت أو أخذت.

وما زالت تترامى إلى ذاكرتي ذلك المقطع الجميل في مسلسل جزيرة الكنز حين يسأل الطفل جيم القبطان سيلفر عن أهم شيء عنده في الحياة؟ فيجيب سلفر بصوته الأخاذ “في الوقت الحاضر هذا الكوب من القهوة هو أهم شيء عندي ” .