التفكير عملية عقلية يفتقدها الإنسان العربي الذي تربى على التلقين وتلقي الأوامر وتعلم تقديس الأمر والتلقين وكأن الله جعله كائنُ بلا عقل ، مدارسنا تقوم فكرتها على التلقين والحفظ ومن كانت مدارسة كذلك فلا ترجي من المجتمع شيئاً فعقله محتل ولا مجال للتحرر من ذلك الاحتلال وإن اجتمع مفكروا العالم أجمع .

في أكثر ستة وخمسون موضعاً بالقرآن الكريم دعى الله رب البشر عبادة إلى إعمال العقل والتفكير والقرآن الكريم قائمُ على الحجج والبراهين وهذه معجزة ربانية اهملها الإنسان العربي وتشبث بها الإنسان الغربي الذي قدم العقل على النقل فتفوق وعاش بسعادة وترك شباب العرب يتساقطون في نيران الإرهاب بعدما تخلوا عن عقولهم واستبدلوها بالعاطفة والمنقولات التاريخية المتجددة ، العقل عضو مقدس أكتسب قدسيته من مكانته فأي إنسان بلا عقل لا يشعر بطعم الحياة ولا يستمتع بتفاصيلها ولا يعيش في سلام ولا يستطيع تحقيق أمنياته أو على الأقل المحاولة في ذلك الجانب المهم من حياة أي إنسان ، العقل نعمة وإذا قارنا بين العربي ونظيره الأوروبي لوجدناهما كائنين يمتلكان عقلاً لكن إحداهما عرف قيمته فأشتغل عليه أما الأخر خاف منه فأحاطه بسور خشية الوقوع في الإلحاد كما قال الأوائل عن الفلاسفة والمبدعين ، ليس العرب بلا عقول فهذا إجحافُ بحقهم فالمُطالع للتاريخ سيجد أسماء ذات عقولِ جبارة ولم تصل لذلك إلا بعدما تأملت وفكرت فقدرت الأشياء وأبدعت ، ليس وحده التاريخ القديم بل حتى التاريخ الحديث فهناك أسماء لامعة تستحق أن يُشار إليها بالبنان لكن السمت العام للعالم العربي اليوم والأمس هو غياب العقل ولو آردنا إيراد أدلة على ذلك لأمتلئت الصحف وجفت الأقلام ، ولنأخذ دليلُ واحد على مهزلة الفرد العربي إذا حلت به كارثة فإنه يستدعي التاريخ ولا يُفكر في أسبابها وكيفية الخروج منها بأقل الخسائر وهذا يتضح جلياً في الربيع العربي 2010م الذي وحتى اليوم تتخطفه الآيدي المأجورة وتتلاعب بأحلام الشعوب يمنةً ويسره فكم من شخصية قالت إن سبب ذلك الربيع العربي هو الفساد الاخلاقي وكم من قائلُ قال إن الملائكة هبطت لتُقاتل مع الثوار وكأن الثوار بين جبل أحد يقاتلون مشركي قريش وكم من مأجور قال الإسلام هو الحل ليقفز الى السلطة ويستبد بالشعوب التي وقعت ضحية لذلك المأجور المُخادع  !

بعيداً عن ظروف الربيع العربي وحق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها ومستقبلها ومشروعية الدفاع عن نفسها ومناهضة الظلم والاستبداد يبقى العقل العربي أسيراً للموروثات القديمة المتوارثة جامداً لا يتحرك والمقصود بالتحرك هنا التفكير أو على الأقل التفكير خارج الصندوق وهذا أقل شيء يمكن أن يُحدث فجوة بجدار النمطية السائدة التي حكمت على الواقع بالتخلف والتبعية والتضليل والضلال فالعقل المُعطل يعيش في ضلال وإن أدعى صاحبة غير ذلك وإن تحرك فسيناله من العقوبات الشيء الكثير فالردة والكفر والزندقة والجنون تُهم جاهزة لمن فكر وقدر الأشياء بمقاديرها العلمية المنهجية ، لكي يتغير الواقع علينا إعادة النظر في مكانة العقل الذي لولاه ما تقدم الغرب وتأخر العرب والمسلمين وأُزهقت دماء لأسبابِ تافهة لو فكر فيها من حمل سلاحه لكنه رأها كبيرة عندما أحاط عقله بسور بناءه من المنقولات والعصبيات المذمومة عند ذوي العقول النيرة فيكفي العرب أجيالُ ماتت بلا عقول وأخرى تعيش بلا عقول ،التفكير فريضة إسلامية مثلما قال وألف عباس محمود العقاد وأول خطوات التفكير طرح التساؤلات والبحث عن إجابات لها عملوا أبناؤكم ذلك حتى لا يكونوا بلا عقولِ في عصر الذكاء الصناعي فيكفي عقود من الغباء وإهمال العقل بحججِ ضحكَ منها الشيطان الرجيم   .