بعد عقود طويلة من الوصاية والتحريم والتخويف بعذاب الله ، تنفس المجتمع الصُعداء بعدما اتخذت الدولة خطواتِ ملموسة في محاصرة الصحوة والعودة بالمجتمع السعودي إلى حقبة ما قبل 1979م ، مجتمع الصحوة هو ذات المجتمع الذي يتنفس الحرية والحياة والجميل أن ذلك المجتمع أول من طلق الصحوة بغير رجعةِ فهو شاهد عيان على حقبتها المُظلمة وعلى كوارثها الفكرية التي لم يسلم منها أي فرد ، استغلت الصحوة العاطفة الدينية للشعب السعودي وعزفت على وتر نُصرة الإسلام والمسلمين وارتدت عباءة محمد بن عبدالوهاب خداعاً لتخفي قميص سيد قطب فهي حركة فكرية ايديولوجية سياسية غايتها قلب أنظمة الحكم وإقامة نظام حكم يباع فيه الناس مرشد جماعة الاخوان المسلمين الذي سيكون خليفة المسلمين المنفذ لأمر الله ورغبة رسوله الكريم ، هكذا تقول أدبيات تلك الحركة الفكرية المشوهة التي دمرت بخطابها كُل شيء جميل حتى علاقة الفرد بربه وأسرته ومجتمعه دُمرت واصبح الفرد بحاجة لفتوى ومباركة فقهية وعظيه ليخرج من الحرج الذي صنعه وعاظ ودعاة وفقهاء ومنظري الصحوة ، في زمن الصحوة امتلأ الفضاء بقائمة المحرمات أما في مجتمع ما بعد الصحوة فلم يعد لتلك القائمة أيُ وجود فالأصل في الأشياء الإباحة وهذه قاعدة من ضمن قواعد كانت الصحوة تتجاوزها وتقدم درء المفاسد على جلب المصالح بدلاً عنها ، الصحوة لم تعد صالحة فأفكارها القديمة لم يعد يستوعبها المجتمع الذي كان محاطاً بآراء ابن تيمية وبعض فقهاء المذاهب الأربعة فالانفتاح المعرفي والثقافي والفكري اتاح للمجتمع الإطلاع على آراء أكثر سماحةً وواقعية من غيرها وتحول العقل المُسير فيما مضى إلى عقلِ مُخير يختار ما يعتقده صواباً طالما في الأمر سعه ، مجتمع الصحوة هو ذلك الذي خدعه دعاة ووعاظ تلك المرحلة فبذل ماله ونفسه خدمةً لمشروعهم الذي لم يكن يعلم عنه وعن خطورته ، كم من شاب فقد مستقبله وحياته بسبب مشروع الصحوة الذي حول بلدان العالم لساحة صراع مسلح بين الكفر والإيمان والكفر هنا كُفر الشعوب بالصحوة منهجاً وقولاً ، استغلت الصحوة كل شيء واكتسحت المسرح والتعليم واشرطة الكاسيت وافراح الناس ودور عبادتهم ولم يستفد منها المجتمع سوى التكفير والتفسيق والتبديع والتشدد وحرمان الأنثى من حقوقها والتأخر التنموي الذي لولا تلك الشجرة الخبيثة لكانت عجلة التنمية وصلت لمراحل بعيدة تقدماً وحضارة .
مجتمع اليوم مجتمع حيوي يتنفس الفن ويتنقل بين الآثار والمتاحف بحريةِ تامة دون وصاية من أحد ، مجتمع عاد لفطرته بعدما عاد للدين الإسلامي الوسطي الذي لا محرمات فيه إلا بنصِ واضح وصريح مجتمع يشد بعضه بعضا يحترم المختلف معه وعنه ويحترم خيارات المرأة التي كانت في زمن الصحوة شيطانُ رجيم ، مجتمع اليوم يعمل عقله يفكر ولا يكفر يدافع عن بلاده ويرفض المساس بأمنه ويقف ضد من يستغل الدين لتنفيذ جرائم إرهابية ، مجتمع اليوم مسالم متصالح مع ذاته فالجهل والخديعة من الماضي والتنوير والسلام والحياة هي الحاضر ولا عزاء لدعاة الصحوة ومنظريها الذين بدأو يعتذرون بعدما انكشفت حقيقتهم وكنسهم المجتمع بإتجاه مزبلة التاريخ ، الصحوي المُعتذر صحوي متلون يُجيد الاستفادة من التحولات والمتغيرات فليحذر المجتمع منه لأنه يُظهر الوسطية والاعتدال بعدما كان يُحاربها جِهراً نِهاراً ، الصحوي التائب كمن ترك تعاطي المخدرات ما يلبث أن يعود إليها فبدونها لا يستطيع العيش والاستمرار  في السابق كان الصحوي يدخل من النوافذ متسللاً واليوم يحاول الدخول من الباب مردداً أنا اعتذر عما سلف فالاعتذار وإن كان مطلوباً لا يكفي فالمجتمعات تُقاس بأجيالها واجيالنا سرقتها الصحوة وفي ذلك بلاءُ لو تعلمون عظيم ..