في عز الصحوة في الثمانينات الميلادية كانت الحركة المرورية تتوقف تماما في مدينة أبها وبالذات في الشوارع المجاورة للجامع الذي يخطب فيه الشيخ عائض القرني !!

وكان الجامع نفسه يفيض بالمصلين ويفترش البقية الذين لا يقلون عمن بداخله الشوارع المحيطة بالجامع !!

وعندما انتقل للرياض _ مجبرا _ كان الأمر نفسه وربما زاد أيضا !!

وفي سباق نجوم الكاسيت _ تلك الثقافة التي كست ذلك العصر _ تصدرت أشرطة القرني سوق الكاسيت فحققت أشرطته أعلى المبيعات وأصبح صوته مألوفا في الشوارع والبيوت والمحلات !!

هذه التوطئة _ التي لابد منها _ إنما تبين أهمية هذا الرجل وتأثيره في الخطاب الديني في تلك المرحلة !!

قبل عدة أيام خرج علينا الشيخ القرني ليفجر مفاجأة مدوية في أوساط مجتمعنا جعلت الناس مذهولين مابين مصدق ومكذب وفرح ومصدوم !!

فقد قالها صريحة .. وأعلن اسفه وندمه واعتذاره للمجتمع السعودي من تلك الحقبة التي شوهت الدين وتلاعبت به وزورت فيه !!

وتبرأ من منهج الصحوة المتشدد الذي ضيق على الناس وملأ حياتهم بمحرمات لا أصل لها في ديننا الحنيف !!

المتيمون بحب الشيخ وبسبب شدة صدمتهم رفضوا التصديق واعتبروا الأمر مدبرا وأن الشيخ أجبر على فعلته !!

والبعض ضرب كفا بكف وهو يعض أصابع الندم على عمره الذي قضاه وهو منخدع بشيخه !!

المعارضون للشيخ رفضوا تصديقه واعتبروها محاولة متأخرة منه للقفز فوق الموجة الجديدة بعد أن أيقن أن عهد الصحوة قد ولى وذهب !!

عندما نناقش اعتذار القرني فإنه ليس اعتذارا شخصيا منه ..

بل هو اعتذار لمنهج كامل كان القرني أحد عرابيه وأحد رموزه الكبار !!

لذلك أقول : عفوا ياشيخنا فاعتذارك غير مقبول !!

وهذا ليس لسان حالي وحدي ..

بل هو لسان كل أم ثكلى فقدت أبنائها بسبب دعاوى الجهاد التي تبناها هذا الشيخ ومنهجه _ ولازال صوته محفوظات في كاسيتات تلك المرحلة _ واتضح أنها لا تمت للجهاد الحقيقي بصلة بل كانت مجرد خدمة لأجندات سياسية !!

لن يقبل اعتذارك شيخ طاعن في السن فقد أبنائه في جبال تورا بورا وفي هضاب الشيشان وفي سهول البوسنة والهرسيك وهو الذي رباهم ليعينوه في شيخوخته وضعفه !!

لن يقبل اعتذارك أرملة فقدت عائلها فعادت تستجدي لقمة العيش لتطعم يتاماها وربما اضطرت لدفع شرفها مقابل ذلك !!

لن يقبل اعتذارك شباب في عمر الزهور ترك مقاعد الدراسة ليتعلموا فن التفخيخ والتفجير والسحل والسبي !!

لن يقبل اعتذارك نساء تفننتم في تحقيرهن واهانتهن ومساواتهن بالحمير والكلاب السود !!

واخترعتم من منهجكم المزيف شتى أنواع الزواجات التي لم يسبقكم بها احد لاستغلالهن جنسيا وحرمان الوطن من امكانياتهن و ابداعاتهن !!

لن يقبل اعتذارك مجتمع كامل فرقتم بين أفراده وزرعتم بينهم الكره والبغضاء فصنفتموهم إلى أتباع فرقة ناجية _ وهم من سار خلفكم مغيبا _ أما البقية فزنادقة وليبراليون وديوثين وملاحدة !!

وجعلتموهم أعداء يتبادلون الشتائم والتهم !!

في دول العالم المتقدم عندما تحدث كارثة فإن الوزير أو المسؤول يقدم استقالته على الفور بدافع من ضميره حتى ولم يكن مسؤولا مسؤولية مباشرة !!

أما أنت ياشيخنا فتريدنا أن ننسى كل كوارثك وكوارث منهجك بمجرد اعتذار بسيط وكأن شيئا لم يكن !!

عفوا ياشيخنا ..

إن كنا قد غضينا النظر مرارا عن زلاتك التي يعرفها الجميع واعتبرناها زلة جواد فإن اعتذارك عن تغييب مجتمعنا طوال أربعة عقود داخل منهج ظلامي دفعنا فيه الثمن غاليا من عقولنا وأرواحنا لم يعد مقبولا على الإطلاق !!

نعم ياشيخنا..

الزمان ليس زمانك والمكان ليس مكانك والحرب لم تعد حربك !!

فاغمد سيفك وترجل عن فرسك واعتزلنا ..

فلسنا سذجا لنصدق أن من خدعنا دهرا قد تطهر فكره فجأة فعاد رمزا للنقاء والتسامح !!

والأجيال الجديدة الطاهرة والنقية لن تنطلي عليها حيلة ( دموع التماسيح ) لأنها رأت آثار أنياب منهجك فيمن سبقهم !!

وإن كان لك حسنة _ نحفظها لك _ فهي انك قد غرست المسمار الأخير في هذا المنهج البائد !!

أما نحن فلن نقيم لك ولمنهجك ( المقاصل ) بل سنحتفل بتحرر عقولنا من سطوتكم ونعالج جراحنا بارادتنا الصلبة وسنلتف مع الأجيال الجديدة التي قدست العلم والمعرفة ونبذت الجهل والخرافات حول أولي أمرنا الذين أعادوا لنا ديننا الحقيقي الذي غاب في أسر منهجكم طوال أربعة عقود وسعوا لإصلاح ماخربتموه ..

ونتطلع لمستقبل نعيش فيه حياة كريمة كمجتمع متماسك وملتف نحو قيادته الواعية لنضع وطننا في المكانة التي يستحقها !!

إضاءة ..

من لم يدفع ثمن التغيير ..

فسيدفع حتما ثمن عدم التغيير !!