روى الجاحظ في كتاب البخلاء أن أهل مرو وهي منطقة حول تركمانستان كانوا مشتهرين بالبخل حتى أن بعضهم كانوا بجتمعون على قدر ومع كل واحد منهم قطعة لحم معلقة بخيط ويضعونها في القدر ثم يخرجون اللحم ويجتمعون على المرق!! وهذا كله ليخف عنهم المؤونة من الملح والحطب وغير ذلك؛ الطريف والغريب في الموضوع أن الديكة في مرو كانت متأثرة ببخل أصحابها حتى قال الجاحظ أن الديكة بطبعها تنثر الحبّ للدجاجات حولها إلا ديكة مرو فإنها تلقط الحبّ من فم الدجاج من شدة بخلها وعظيم حرصها؟!

وهذا ما يحعلني أفكر أنك سواء أحببت صفات من حولك أو لم تحبها فإنك ستتأثر بها إيجاباً أو سلباً؛ فديكة مرو ما ورثت هذا الطبع إلا من تلاصقهم لأهلها فحين قل الطعام عليهم لشح أصحابها زاد جشع الديكة في الظفر بالطعام لوحدها.. ومن ذلك الزمان حتى زماننا ما زال في كل منطقة معينة أو عند كل قبيلة طبع سائد ذاع بينهم وانتشر حتى أصبح مضرباً للمثل؛ حتى تكاد أن تشك أن هذه الطباع متوارثة في جيناتهم وما هو في رأيي إلا تأثير لتلكم البيئة على حياة أفرادها

وكبخل أهل مرو قس على ذلك عفة بني عذرة الذي عُرف رجالها بالعشق العفيف حتى قيل أنهم قوم إذا عشقوا ماتوا وتصور كيف صارت هذه العفة في كل رجالهم وكأنه شيء يجري في عروقهم!! وكقيافة بني مدلج الذين كانوا مشتهرين بتقفي الأثر ومنهم مجزر المدلجي الذي مر على زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما وهما نائمين فأدرك دون أن يراهما ورغم اختلاف ألوانهما أنهما قدما أب وابن؟!

وكل ذلك مجرد أمثلة لتأثير البيئة والمحيط الذي تعيشه في التأثير عليك وصقل طباعك وصفاتك.. ولعل كلنا يعرف تلك القصة التي رويت في صحيح مسلم عن الرجل الذي قتل مئة نفس ثم سأل العالم هل لي من توبة؟! فقال نعم لكن اترك قومك فإنهم أهل سوء؛ وتفكر كيف أن توبة الرجل ربطت حينها بترك قومه لأن البيئة حوله لم تكن أرض خصبة لتوبته رغم حرصه الشديد على التوبة؛ فكان أول خطوات تغيير نفسه هو تغيير من حوله

واقرأ قول الله سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وتأمل كيف ربط الله سبحانه الطريق إلى التقوى بالبقاء مع الصادقين لأن البيئة حولك ستفرض عليك طباعها لتنقاد إليها طوعاً أم كرهاً.