الأيام الأخيرة كانت حافلةً بالعديد من الأحداث والمشاهد الدسمة على مائدة الأخبار العربية، نشرات وأنباء وتحليلات متعاقبة عن الأوضاع الراهنة وتحولات متسارعة، فليبيا تعيش حرباً يقودها الفريق خليفة حفتر حتى يفلتر بقية ليبيا من الجيوب الإرهابية المدعومة من دول هي بالأصل تعاني من عقدة الذات ولها نوايا صريحة في تعزيز التخريب والإرهاب، فلاهي تقر بمبدأ الأخوة الإسلامية ولا هي تلبس ثوب النخوة العربية، وحكومة السراج –حكومة الوفاق الوطني – لم تُوفق بإدارة الموقف بل اتضح أنها مسيرة لا مستقلة بقراراتها كما صرح اللواء أحمد المسماري في عدة مقابلات متلفزة بوجود تدخلات أطراف خارجية من تركيا وقطر لها أجندتها  التخريبية الداعية إلى التقسيم ودعم المتحزبين التابعين للتيارات الإرهابية، وبالتالي أية عملية سياسية لتعزيز الاستقرار والاستقلال والأمان تشوبها شوائب قد تزيد من الفجوة إلى مستنقع التقسيم وتعميق الخلاف .

أما الجزائر والسودان فقد عاشتا سلسلة من التظاهرات ضد الأنظمة الحاكمة  تطالب بالتغيير، وهنالك نقاط مشتركة بين النموذجين  الجزائري والسوداني فكلاهما يتشابهان من حيث المطالب ويختلفان من حيث إدارة الموقف من قبل القيادات العسكرية وأيضا طبيعة الحزب الحاكم لكل منهما فالأول يتبع مدرسة المحاربين القدامى إبان الثورة الوطنية ضد المستعمر والآخر يتبع التيار الإخواني . وقد ساعد المناخ الجزائري -بنظري- عدة أشياء في إدارة الوضع ومحاولة تقليص حدة الغضب :

قرار اتخاذ الرئيس السابق بو تفليقة عدم الخوض بالانتخابات القادمة ومن ثم استقالته عن منصبه بعد ضغوطات،  احتوى الموقف بشكل أكثر فاعلية من حيث امتصاص غضب الشارع ، وأيضاً قيام المؤسسة العسكرية بدورها في عدة مناسبات بإيصال رسالة  عبر تصريحات الفريق أحمد قايد صالح بصفته رئيس أركان الجيش الوطني مفادها أن الجيش مع مطالبات المتظاهرين وركزت في خطابها على “الشباب” مع التنبيه بأن الوضع قد يتدهور إلى أحداث قد لا تحمد عقباها وأن مسألة الأمن الوطني وكيان الدولة لها حدودا ً حمراء وفيه إشارة بأن الجيش الوطني لن يصمت إن ارتأى أية تدخلات ومحاولات خارجية ، بالإضافة الى وعي المتجمهرين وحرصهم بجعل المظاهرات سلمية وعدم الالتفات إلى الدعوات الحزبية والخارجية التي تريد أن تمتطي ظهورهم بمحاولات من ذات الدول التي تمارس أدوارها المشبوهة عبر أذرعها الإعلامية .

أما في النموذج السوداني حكومة البشير لم تُدير الموقف بنفس الكفاءة؛ وذلك بسبب انحياز أغلب المؤسسة العسكرية والحكومية للتيار الإخواني والإصرار على التشبث بالسلطة مما تطور الحال إلى انقلاب عسكري وتأسيس المجلس العسكري الانتقالي بقيادة ابن عوف- الذي بدوره أيضا يتبع نفس التيار- إلا أنه لم يشفع هذا للمتظاهرين بسبب أن النظام لا يزال هو نفسه يتحكم بزمام الوضع وأيضا طريقة توجه القيادة الانتقالية بتأزيم الموقف من حيث إعلان الطوارئ وحظر التجوال وتحديد مدة بقاء المجلس عامين؛ وهنا أثار القرار سخط المتظاهرين المتعطش للتغيير وتحدي جديد فلم يفْرق معه وجود الحظر من عدمه، مما اضطر بن عوف للاستقالة بعد يوم واحد من الانقلاب، وإحالة زمام الأمر للفريق برهان –الذي عُرف عنه عدم انحيازه وانتمائه لأي تيار سياسي- ونزوله إلى الشارع .

للإنصات والاستماع لتجمع المهنيين سعياً للتهدئة ووعد بانتقال سلمي وتشكيل حكومة مدنية تتولاها شخصية مستقلة، وبالتالي انخفضت حدة الشارع بل أفضت إلى مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي، وأيضاً قد أحسن فعلاً بتوجيه خطابه إلى المجتمع الدولي الذي لقي دعما و تأييداً  قوياً  من عدة دول عربية وترحيباً من قبل الجامعة العربية.

وأخيرا جراح الأزمات العربية لم تلتئم بعد ولابد من العقلاء إعطاء الفرصة والتحلي بالصبر والثقة المتبادلة مع القيادات العسكرية في ليبيا والجزائر والسودان، فكلهم تعهدوا بحماية الوطن وأمانه واجتثاث الفساد ومحاسبة المتورطين والالتفات إلى المطالب “المشروعة والمعقولة” التي تهدف إلى تحسين المستوى لمستقبل أفضل، مع مراعاة عدم الانصياع إلى أية تنظيمات مشبوهة وطلبات قد تعرقل وتعقد المسألة مما يؤدي إلى شلل في الاقتصاد وكيان الدولة فيجعلها هشة  فنعطي للأعداء التبرير للتدخلات الخارجية ويأكلوا من حصائل بلادنا  فيتأثر بها المواطن بالمقام الأول وهنا قد ينطبق المثل الشعبي من” قلة تفكيري ثوري أكل شعيري ”.