بالأمس ذهبت بجوالي لإحدى محلات الصيانة وسألوني هناك عن سبب عطله فقلت أظن أن ولدي الصغير نادر قام برميه على الأرض فانخرب؛ وبعد ساعات اتصل عليَّ فني الصيانة بأن الجوال تعطل بسبب الضغط على الميموري وليس بسبب سقوطه وهنا بررت واعتذرت بالعبارة المعتادة (كنت أحسب) ٱن ولدي رماه؟!

كثيراً من أحكامنا الخاطئة وظنونا الآثمة تكون مبنية على توقعاتنا وحساباتنا قبل فهمنا لمجريات الأمور أو حتى التأكد من أحكامنا قبل إصدراها؛ وقس على ذلك كل علاقاتنا ومشاكلنا مع الناس فكم مرة قلت وسمعت هذه العبارة ” آسف كنت أحسب … ”

يروي الكاتب الأمريكي ستيفين كوفي صاحب كتاب العادات السبع قصة حدثت له في أحد انفاق المترو حينما كان يجلس بجواره رجل لم يكن مبالياً أبداً بتصرفات أطفاله المزعجة حتى ازداد تضايق الركاب من ازعاج أطفاله ومن لا مبالاة أبيهم غير المكترث فهنا قام ستفين وعاتبه على إهماله؛ فانتبه الرجل وقال آسف زوجتي قد توفيت اليوم ولا أعرف كيف سأخبر أولادي وكيف سيكون حالهم الآن؟! ليتحول عتاب ستيفين إلى خجل وتأسف ومواساة!!

وربما لو قرأت التاريخ والسير وقرأت عن الحروب والصراعات والانتصارات والهزائم لوجدت أن كثيراً من وقائع التاريخ ومحريات الحياة برمتها تغيرت بسبب (كنت أحسب) وخذ مثلاً قصة الرماة في غزوة أحد حين خالفوا أمر النبي ﷺ بعدم النزول من الجبل مهما حدث لكن نزولهم وتوقعهم بأن الحرب انتهت كانت كفيلة لانقلاب الهزيمة عليهم؛ واليابان التي كانت تحسب أن قصف القاعدة الأمريكية في ميناء بيرل هاربور يفرض قوتها ويخرج أمريكا من مجموعة الحلفاء لكن النتيجة كانت مئات ٱلاف من القتلى والجرحى جراء قنبلة هيروشيما ونجازاكي لتعرف اليابان أن حساباتها كانت خطأ؛ وتعيد بعدها صنع أمجادها بالقوة العلمية والابتكارات بدلاً من القوة العسكرية

وحتى نابليون القائذ المحنك لم يحسب حساباته بشكل صحيح حين أراد احتلال روسيا فلم يحسب حساب كبر المساحة وشتاء موسكو القارس ليموت من جيشه هناك ما يربو على ٥٠٠ ألف مقاتل ويكتب نابليون بذلك قصة نهاية حلمه؛ بل الغريب أن هتلر وقع في نفس خطأ نابليون لما أراد احتلال روسيا فاستغل الروس الشتاء القارس في إضعاف الجيش وإنهاكه ليرجع مهزوماً ولم يجد هتلر لكبريائه إلا الانتحار؛ وكل هذا نتيجة ” كنت أحسب “