في سوق تتسم باحتدام المنافسة، تحتلّ شركات الاتصالات الصدارة في ثورة يجري فيها استخدام بيانات العملاء كطريقة لإسعاد هؤلاء العملاء وإثراء علاقاتهم وتجاربهم مع هذه الشركات. ويوضّح شكري دبغي، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا لدى “ساس”، كيف أن بوسع شركات الاتصالات صنع “كعكة” خاصة بها من البيانات، بل والاستمتاع بتناولها!

لطالما حلّت شركات الاتصالات في طليعة النقاش حول ديناميكيات العملاء المتغيرة، التي تتميز بارتفاع الطلب وانخفاض مستوى الولاء. فقد “تقلص” معدل العائد لكل مستخدم لخدمات المكالمات الصوتية والرسائل القصيرة التقليدية، لينتقل التركيز الآن إلى باقات البيانات. على أن هذا التحوّل يضع شركات الاتصالات في حالة فريدة من المفارقات، إذ يستخدم العملاء خدمات تلك الشركات للوصول إلى ما يمكن اعتباره منافسة لها. ويعتبر عميل شركة الاتصالات الذي يستخدم باقة بيانات لتشغيل تطبيق WhatsApp مثالاً على ذلك.

وعلى الجانب الآخر من هذا، فإن شركات الاتصالات قادرة على الوصول إلى بيانات مفصلة للغاية حول أنماط الاستخدام التي يتبعها عملاؤها، ما يضعها في حالة أخرى فريدة من نوعها تكون فيها قادة على توقّع احتياجاتهم وضمان إسعادهم.

ثمّة الكثير من المبادرات التسويقية والعلامات التجارية الجادّة في عالم الاتصالات، والتي بفضلها يصبح اختيار المرء لإحدى شركات الاتصالات اختياراً مرتبطاً بنمط حياته. ولعلّ العملاء في جميع أنحاء العالم يُبدون اهتماماً أكبر بعلامة هواتفهم الذكية أكثر من اهتمامهم بمقدمي خدمات الاتصالات، ومن المرجح أن يتم تسريع النظرة إلى شركات الاتصالات كـ “سلعة” من خلال نشاط تسويقي ذي نطاق زائد الاتساع ولا يحظى بتلك الأهمية، والذي سرعان ما قد يصبح ذا سمات اقتحامية تطفلية.

إن الحاجة الملحّة، والتي بدأت تتنبّه لها وتعالجها العديد من شركات الاتصالات حول العالم بطريقة جيّدة، تتمثل في وجود ثقافة تتمحور حول العملاء. تقليدياً. ولطالما لجأت الشركات إلى بيانات الاستخدام لإذكاء عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بطرح المنتجات وتسويقها، ومدى الإتاحة الجغرافية لها، وما يقدّمه الشركاء من محتوى ومنتجات، والتي يتم تقديمها بعد ذلك إلى قاعدة العملاء على اتساعها.

أما اليوم، فيتيح تحليل شركات الاتصالات لمضمون ” ثرواتها ” من البيانات تقديم خدمات وحلول أكثر دقة في استهداف العملاء، إلى درجة التواصل المباشر مع الأفراد عند حاجتهم إلى ذلك. أحد الأمثلة التي نحب أن نسُوقها في ” ساس ” هو مستخدم يشاهد فيلماً على جهازه المحمول أثناء التنقل، ومع وجود نظام تحليلات بيانات مناسب، ستتمكن شركة الاتصالات من الاتصال بالعميل الذي توشك حزمة بياناته على النفاد، عارضةً عليه ” حزمة بيانات معززة ” قبل نفاد حزمته الحالية. تخيّل كم سيكون العميل سعيداً بمجرد التمكّن من الاستمرار في الاستمتاع بمحتوى ما يشاهده دون انقطاع!

إن البيانات التي تولّدها شركات الاتصالات من تفاعلات عملائها وتفضيلاتهم تحتوي على العديد من نقاط التماس؛ منها التعاقدية عند بداية العلاقة مع العميل المحتمل وإتمام التعاقد معه ليصبح عميلاً، والتشغيلية من خلال تحليل أنماط الاستخدام والخدمات المفضلة والأجهزة المختارة وغيرها، والتفاعلية المبنية من تفاعلات بدأها العميل مع مركز الاتصال، ونقاط اتصال أخرى ينشئها العميل.

إذن لدينا الآن كمية كبيرة من البيانات المتولّدة من مصادر متنوعة والمتسمة بحيوية تكفي لتمثيل المستجدات، سواء التاريخية أو الحديثة. وسوف نضيف أبعاد التباين إلى هذه البيانات، نظراً لعدم إمكانية تمثيل جميع أنماط الاستخدام، ويمكن أن يكون بعضها حالات لمرة واحدة، ما يقودنا إلى عنصر التعقيد، حيث بدأنا نلمس القوة الحقيقية لما يُعرف بـ ” البيانات الضخمة ” .

وإذا نظرنا إلى البيانات الضخمة ككعكة متعددة الطبقات، فيمكننا اختيار أن تكون لديك القاعدة فقط، أو الوسط الخفيف، أو الزينة الكريمية، أو يمكننا قطعها بطريقة تجعلنا نحظى بالأفضل من كل جزء من الكعكة. ببساطة، فإن عملية تشريح تلك البيانات الضخمة للحصول على أفضل الرؤى والأفكار والمعلومات هي ما يُعرف بـ ” تحليلات البيانات ” .

وتتضح حاجة شركات الاتصالات إلى تحليلات البيانات عندما تفكّر في مدى أهمية التجربة التي يعيشها العملاء، وتدرك كيف يمكن للبيانات التي لديها، بالفعل، أن تصبح المنصة التي تُبني عليها هذه التجربة في تحوّلاتها. وثمّة خمس مزايا متفرّدة يمكن لشركات الاتصالات أن تطلق العنان لها بلجوئها إلى استخدام حلّ مدروس لتحليل البيانات.

• التمييز: من المثير للاهتمام أن الأمر يتطلب من الشركة مجموعة بيانات أكبر لتكون قادرة على التعامل مع سلوك مجموعة صغيرة من العملاء الأفراد تعاملاً أكثر دقة. لذا فإن اكتمال الرؤية المحيطية واتساقها أمر ضروري لتمكين شركة الاتصالات من إحداث التحوّل في تجربة العملاء، وهي عملية ديناميكية مستمرة تبدأ بالقدرة على تحديد العملاء واحتياجاتهم الفريدة، والتفاعل معهم ودعمهم بطريقة مناسبة. والخبر السار هنا هو أن عوائد الاستثمار يمكن أن تكون مفيدة على نحو مذهل.

• التنبؤ: إن الارتقاء بالتمييز إلى المستوى التالي يتمّ من خلال التنبؤ باحتياجات العميل بدعم من القدرات التحليلية وتمكين بيع منتجات وخدمات أعلى مستوى أو أخرى تشكّل ملحقات للمنتجات الحالية. وهذا يعني أن شركة الاتصالات تتواصل مع العملاء في الوقت المناسب وبطريقة ملائمة، عارضة عليهم حلولاً للمشاكل التي تواجههم. فأفضل مقدمي الحلول من منتجات وخدمات، كما يقال، هو من يقدّم الحلّ المناسب عند الحاجة.

• التأثير: أحد المجالات التي تُعنى مباشرة بعلاج الخلل الذي يتسبب به معدل الاستجابة المنخفض أو الرديء لدى شركات الاتصالات. فإذا كان بالإمكان التنبؤ باحتياجات العملاء، لكن من دون استجابة تلبي هذه الاحتياجات، فإن التنبؤ سيظل مجرد وظيفة لا نفع منها. ويتطلب إحداث التأثير بين العملاء إحداث تحوّل في جهود التسويق والانتقال من تتبع توجهات السوق إلى الحرص على تلبية الاحتياجات الفردية.

• التحسين: لطالما ظلّت المفاضلة بين بيع منتجات عالية الجودة بربح منخفض وبيع كميات كبيرة بربح مرتفع، مصدر قلق واهتمام لدى الشركات. فمن وجهة نظر تجارية، الكميات الكبيرة هي الأجدى، ولكن من وجهة نظر العملاء، فمن المؤكد أنها الأولى، أي المنتجات ذات الجودة العالية. لذا فعندما تطوّر شركات الاتصالات توقعاتها المتمحورة حول العملاء، ستصبح الاستراتيجية النقدية المتمحورة حول الأهمية العميقة للعملاء أكثر وضوحاً، ما يؤدي إلى الوصول إلى حالة مربحة للجانبين؛ شركات الاتصالات والعملاء.

• الابتكار: سيحافظ العملاء على علاقتهم مع الشركات المبتكرة، وهذا أمرٌ مميز في السوق التنافسية اليوم. وتكمن ميزة البيانات الضخمة، مع التحليلات المتراكبة، في أن شركات الاتصالات تسارع إلى تحديد فرص أعمال جديدة، بل وتزيد من نمو منظومتها لمصلحة العملاء. ويُظهر اللجوء إلى خدمات جديدة من جهات خارجية، حتى عند تقديمها إلى جمهور صغير، تمحوراً حول العميل ينمّ عن عقلية مبتكرة.

لقد أصبحت الحاجة الراهنة للتركيز على تجربة العميل أمراً واضحاً، ما يجعلنا ننظر الآن إلى عنصر مهم آخر هو توحيد القنوات المتعددة التي تقوم عبرها هذه التجربة. فلا تزال الشركات تواصل بناء استراتيجية التفاعل مع العملاء بطريقة تجعلها موجهة نحو منصة العمل، لا إلى العميل. لنتخيّل، مثلاً، لو أن لدى شركة اتصالات ما تجارب رائعة مصممة لوسائل التواصل الاجتماعي، ولمركز الاتصال، ولموقعها الإلكتروني، ومتجرها، ولنفترض أن العميل الذي يصل إلى كل المنصات سوف يحظى بتجربة مختلفة ومغايرة على كل واحدة من هذه المنصات التي تعمل تحت مظلة العلامة التجارية نفسها!

من خلال تركيز الشركات على تجربة العميل ينبغي لها أن يجعل الهدف يتمثل في ” تجربة موحدة ” بغض النظر عن طبيعة المنصات أو قنوات التفاعل المتاحة.

ولتمكين ذلك وتعزيزه، فإن ما تحتاج إليه شركات الاتصالات هو إدراك الوضع الراهن، وامتلاك الفكرة الواضحة والرؤية المتبصرة، التي لا يمكن أن يتيحها سوى تحويل البيانات الضخمة من أحد المنتجات الثانوية للأعمال إلى أحد أهمّ الأصول التجارية للشركات. هذا هو المفتاح لإحداث التحوّل المنشود في تجربة العملاء، وهذا بدوره هو أساس النجاح والنمو الذي تسعى الشركات وراءه في عالم اليوم.