يعلم الجميع أن هنالك عنصريات متعددة ذات أبعاد مختلفة وُجِدَت منذ خلق الله الأرض ومن عليها وتختلف أنواعها باختلاف مسبباتها إلا أن ما يكاد يُجمع عليه الجميع أنها سلوكيات أبعد ما تكون عن جميع التعاليم والمفاهيم الانسانية والربانية التي تحكمنا وتضبط تصرفاتنا وتُوجّه سلوكياتنا إلا أنه رغم ذلك نجد أن هناك ممن هم يؤمنون بهذه التعاليم ويدعون إلى المحافظة عليها وتبنيها ولكنهم يخالفونها عياناً بياناً دون خوف أو وجل ودون أدنى رادع أخلاقي أو ديني يمنعهم من ممارسة هذه العنصريات وإننا كمسلمين على وجه التحديد والذين من المفترض أن نُشكل وأن نكون قدوة للبشرية جمعاء لدينا توجيهات ربانية ونبوية تدعونا إلى نبذ مثل هذه السلوكيات بل ومحاربتها ومنها قول رب العزة والجلال يقول في محكم التنزيل: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ويقول المصطفي (ص) ما يعزز هذا النهج أيضاً حين قال مخاطباً صحابته: “يا أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : فليبلغ الشاهد الغائب”.

إن من بين هذه العنصريات المختلفة العنصرية المختزلة في لون البشرة مثلاً حيث نجد أن هذا المفهوم العنصري المتداول الذي يقول بأن ذوي البشرة السمراء هم فقط من يصنفون على أنهم “عبيد” وغيرهم أحرار هو مفهوم سقيم وغير مقبول لا عرفاً ولا شرعاً عندنا نحن المسلمين وكذلك عند من يتبعون نفس النهج من بقية البشر وإن مما يعزز أن هذا المفهوم ليس فقط سقيم بل أن فيه مخالفةً صريحة لما جسده الواقع سابقاً وجعله حقيقة لا يمكن نفيها أو انكارها إلى يوم الدين وهو واقع خير حقبة مرت بها الانسانية، حقبة رسول الهدى (ص) وصحبة الكرام رضي الله عنهم فإن التاريخ يشهد بأن تلك الحقبة شهدت وجود “عبيد” من غير ذوي البشرة السمراء كصهيب الرومي رضي الله عنه على سبيل المثال والذين أصبحوا بعد أن هداهم الله للإسلام من أقرب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إليه فإذاً يجب العمل بجد وخاصة من قبل الدعاة الذين يحضون بقبول واسع لدى العامة على استغلال هذا القبول في تصحيح وتبيان مدى خطورة الاقتناع بمثل هذه الهرطقات التي لا يقبلها لا عقل ولا دين ولا منطق.

هذا من ناحية عنصرية لون البشرية أما من ناحية العنصريات الأخرى المغايرة لها والتي لا تقل عنها أهمية والتي هي فعلاً عنصريات مؤلمة يقع فيها العالم بأسره ويمارسها معظم أفراده وليس نحن فقط فهي كثيرة ومتنوعة ومن بينها مثلاً عنصرية الدين حيث نجد أن هذه العنصرية متأصلة وبقوة لدى الجميع دون أن يترك أحد أي مجال للحوار البناء حولها وتقبل اختلافها فعندنا نحن المسلمين مثلاً عنصرية المذهب وهذا النوع من العنصرية التي نعيش تداعياتها المؤلمة هذه الأيام أصبحت سبباً رئيسياً فيما نشهده حالياً من فُرقة بين المسلمين ونرى بأم أعيننا كيف أنها تسببت في إهلاك بشع للحرث والنسل.

كما أن هناك عنصرية أخرى تتمثل في عنصرية الجنس بين الذكر والأنثى فنحن نجد مثلاً أن الذكر في أغلب المجتمعات ومن بينها مجتمعنا يمارس فيه الفوقية المبالغ فيها تجاه الأنثى بحجج مجتمعية لا صحة لها بل إن الطامة الكبرى في هذه العنصرية أن هناك من يربطها زوراً وبهتاناً بالدين سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد بينما جميعنا يدرك أن الدين بريء من ذلك براءة الذئب من دم يوسف حتى وإن لم يعترف أي متعنصر لها علناً بذلك.

بل وصل حال العنصرية بِالبشر إلى حد أن يتعنصروا حتى على حسب الموقع الجغرافي الذي يسكنوه اعتماداً على ما يحتويه موقع معين مثلاً من خيرات ونِعَم بيئية قد لا ينعم بها الطرف المقابل.

ولكن ورغم وجود هذا الواقع المؤلم في العالم أجمع إلا أن هذا الإقرار بوجود هذا الواقع لا يعني أننا يجب أن نُسلِّم به ونستسلم له وأن نخلق لأنفسنا أعذاراً واهية تدفعنا للتكاسل والتهاون في مجابهة هذا المرض متذرعين بقاعدة عامة ألخصها بقول:

“طالما أن غيرنا يخطئ إذاً لا حرج علينا إن أخطأنا مثله”

إن مثل هذه السلبيات يجب محاربتها واحتوائها من قبل الجميع ومن قبلنا نحن تحديداً كمسلمين فنحن كما ذكرت آنفاً نتميز عن غيرنا بأننا نمتلك دين سماوي يحثنا على نبذ مثل هذه السلبيات ويأمرنا أن نكون نحن القدوة السلوكية والفكرية والأخلاقية للبشرية جمعاء وليس العكس، دينٌ يتسامى ويتعالى فوق مثل هذه الصغائر والذي نحسبه دون شك نبراسٌ ينير درب كل مضطهد ومظلوم أياً كان دينه أو جنسه أو لونه، دينٌ يرى فيه المشردون فكرياً والمهملون جسدياً ملاذاً آمنً وملجأً يوفر لهم جميع متطلبات الحياة الكريمة ولكن مع شديد الأسف إن المتابع لطبيعة حياتنا في المجتمعات المسلمة تحديداً، يجد أن الطبقية والفوقية والتفرقة العنصرية متجلية فيها بأوضح صورها ولا يحتاج المتابع المحايد لبذل الكثير من الجهد كي يكتشف ذلك.

أخيراً أقول ما أجمل التآخي يا أحباب وما أجمل اعتماد عبارة “أحبك يا أخي الأنسان كما خلقك الله أياً كان جنسك أو لونك أو عرقك أو حتى دينك” قولاً وعملاً عن طيب نية وصدق منطق وعن قناعة راسخة لأن من شأن خَلْقْ مثل هذا التحابب والتآلف بيننا وبين الاخرين وأخصّ منهم المسلمين هو أصلٌ من أصول الدين الاسلامي وكذلك أصلٌ من أصول المشتركات الانسانية التي لا ينبغي أن تُهمل أو تُهجر بل يجب الدفاع عنها والمحافظة عليها وتعزيز وجودها وتفعيلها بشتى السبل والوسائل وبكل ما أُتينا من قوة.