إن مما تعارفت عليه البشرية منذ وجودها تَمَكُن قاعدة فطرية أو نزعة انسانية من مشاعر البشر مفادها “أن كل ذي نعمة محسود” إلا أن ما قد يُروّض هذه النزعة ويضبطها هي القوانين السماوية والمفاهيم الانسانية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى بين البشر فتم تبنيها والتحاكم إليها ورغم وجود هذه القواعد والمفاهيم والتزام الكثير من البشر بها إلا أن “لكل قاعدة شواذ” كما يقال حيث نجد أن من بين البشر من يخرج عن هذه القواعد فيجعل ما يحكم تصرفاته ونمط تفكيره هو هواه ورغباته وما يزيد طين هذا الخروج بِلَّه هو تسبب هذا الخروج في الإضرار بالأخرين سواء من حيث الإساءة لسمعتهم أو الإجحاف بحقهم أو اتهامهم بما ليس فيهم ونجد هذا الأمر جلياً في التعاملات المادية أو متعلقاتها تحديداً وذلك عندما يتعلق الأمر باحتياج هذا الطرف المارق على هذه القيم والقواعد للمساعدة والدعم من طرف آخر منحه الله قدرة مالية واقتصادية كبيرة وحين يقوم هذا الطرف الآخر بتقديم المساعدة والدعم للطرف المحتاج لا يجد هذا الطرف في المقابل سوى الجحود والنكران نظير ما قدمه من دعم ومساعدة ولنأخذ المملكة العربية السعودية مثالاً واقعياً يُجَسّد ذلك.

لقد منَّ الله سبحانه وتعالي على المملكة العربية السعودية بخيرات وثروات طبيعية ضخمة نقلتها نقلة نوعية بل وحتى جذرية من حالة شظف العيش التي كانت سائدة في زمانٍ مضى وحالة عدم الأمن والأمان التي كان يعيشها مواطنيها في الماضي إلى واحةٍ حالية تنعم بسعة في الرزق وتتمتع برفاهية يحسدها عليها الكثير وهذه الحالة المستجدة لم تكن إمكانية حدوثها تدور في خلد أي قاطن فيها مهما بلغ تفاؤله في تلك الأيام الخوالي إلا أن هذه النقلة النوعية والكمية خلقت للسعودية حسّاد وحُقّاد أكثر مما خلقت لها أصدقاء وحلفاء وهذا أمر طبيعي بل قد يعتبر حتى فطري فكل ذي نعمة محسود كما سبق وأن ذكرت ولكن الأمر الغير طبيعي والمؤلم في نفس الوقت هو هوية هؤلاء الحسّاد والحُقّاد حيث يُمثل الأشقاء العرب نسبة لا يستهان بها من هذه الشريحة الأمر الذي شكّل حسرة وغبن عند السعوديين كافة وجعلهم يشعرون بأن الصديق الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه بعد الله هو أنفسهم فقط وهذا الموقف السلبي الذي يتخذه بعض الأشقاء العرب من السعودية لا يمكن حجبه بغربال رغم إدراك أطراف هذه البلدان بدءاً من مسؤوليها ومثقفيها ومفكريها وصولاً إلى معظم شعوبها بمدى الدعم والمساعدة التي لا تكل ولا تمل من تقديمها السعودية حكومة وشعب لهم ولغيرهم ممن قد يحتاجها في الحرب أو في السلم إلا أنه رغم ذلك يشهد الواقع بأن الجحود والنكران هو رد الفعل الدائم من قبل الغالبية ” إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ” تجاه هذه المبادرات الأخوية والإنسانية التي لم يمنع استمرارها كافة المواقف السلبية التي واجهتها وتواجهها السعودية.

إن الواقع يشهد بأن من بين المفارقات التي تتعرض لها السعودية أن بعض البلدان العربية التي تحل بها نوازل سواءً كبيرةً كانت أم صغيرة تجد أن أول من تلجأ إليه للنجدة والمساعدة هي السعودية قبل غيرها وذلك لمعرفتها من تجارب سابقة مدى سرعة استجابة السعودية ومدى ضخامة مساعداتها بل يشهد الواقع أن السعودية في معظم الأحيان كانت هي من تُبادر إلى تقديم العون حين ترى أن هذا البلد العربي الشقيق أو ذاك في أمسّ الحاجة إليه قبل أن يطلب البلد منها العون ورغم علم المسلمين منهم بذلك (وهنا أخصَّ المسلمين بالذكر بحكم أن غالبية شعوب هذه الأقطار العربية مسلمون) إلا أنك تراهم يتجاهلون هذا الإحسان رغم قول الله سبحانه وتعالى ” وهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ” حيث تجدهم يقولون ودون أدنى تردد أن هذا لا يعتبر إحساناً من السعودية بل هو أمرٌ واجب عليها ولا فضل لها في تقديمه ولا يجب شكرها عليه والسبب في نظرهم أنهم يعتبرون أن جميع ما تمتلكه السعودية من ثروات وخيرات هو حقٌ مُشاع لهم جميعاً ويرون أن لهم كامل الحق في الحصول على أي جزء منه بل حتى جميعه لو استدعى الأمر ذلك ضاربين عرض الحائط بجميع الاعراف السياسية المتعارف عليها ناهيك عن الروابط الدينية والثقافية التي تجمعهم مع شقيقة لهم كالسعودية.

أختم قائلاً إن ما يجب أن يعلمه الجميع والأشقاء العرب على وجه الخصوص أن السعودية قادة وشعب أكبر من أن تنتظر شكراً وعرفاناً من أي طرف تَهُبُّ لنجدته فلقد كرَّمها الله بأن منحها من الخيرات الشي الكثير وترى السعودية قادة وشعب في هذا التكريم مسؤولية والتزام يدفعها دفعاً لمساعدة كل من يحتاج المساعدة وبالذات أشقائها العرب، الأمر الذي جعلها ويجعلها لا تنتظر الأجر والثواب إلا ممن أنعم عليها بهذه الخيرات وممن جعلها مهبط الوحي ومهد الرسالة مهما تعذر وغاب الشكر والعرفان ممن هم دون ذلك ولا تجد أي عزاء لها إلا في ما ذكره الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حين قال: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} وقوله سبحانه: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {الأعراف:56) وأيضاً قوله سبحانه: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:56}، وكذلك تجد عزائها في ما ذكره المصطفي صلى الله عليه وسلم حين قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

فما أعظمه من ثواب وما أجزله من أجر.