من المعروف أنه تواجه المرأة ممارسات عدائية مثل التمييز والتحرش في مجالات العمل، التي يعتبرها كثيرون قاصرة على الرجال لعقود طويلة.

وفي هذا الصدد. استهدفت حركة “مي 2” (#me_too) العام الماضي أزمة النساء مع ما تسمى “وظائف الرجال” .

تعريفات ذكورية أو أنثوية

وينظر غالبًا إلى بعض الوظائف التي يهيمن عليها أحد الجنسين على أنها ذكورية، أو أنثوية؛ مما يشكل تعريفات للرجولة أو الأنوثة، وتصبح أساسية مع الوقت.

فطوال التاريخ تدافع الأغلبية من الرجال عن الفصل بين الجنسين، عبر ازدراء النساء اللائي يدخلن المهن التي يهيمن عليها الذكور، وينظر إليهن على أنهن منحرفات عن الطريق “الطبيعي”، حتى تشعر المرأة بأنها أدني ممن حولها، ولا تتلقى دعمًا، وتعمل في بيئة عمل معادية لها، حتى انسحبت النساء من “أماكن الرجال” تدريجيًّا، وذلك على عكس وضع الرجال القلائل الذين يعملون بمهن تسيطر عليها النساء، وما وجدوه من قبول من زميلاتهن.

النساء يحلمن بمستعمرة نسوية

يقضي معظمنا بالفعل نحو نصف ساعات يقظته في مكان العمل، مما يجعل لوضعنا ومشاعرنا في هذا المكان تأثيرًا طويلًا على حياتنا، وكان دافعًا لباحثتين في علم الاجتماع من جامعة كولومبيا البريطانية وكلية بوسطن لقياس مدى تحقق المساواة بين الجنسين في مجال العمل.

تتبعت الدراسة الحالات الشعورية للرجال والنساء في بيئة العمل، بناءً على التمثيل الجنسي في مهنهم، وللقيام بذلك اعتمدت الباحثتان على بيانات يومية لألف شخص، مقسمين بالتساوي بين القطاعين العام والخاص، واستعانتا بالبيانات كمؤشرات تم جمعها بين عامي 2010 و2013.

عندما تكون أقلية في مكان عملها

اكتشفت الباحثتان من بين نتائج الدراسة أن النساء يصبحن أكثر سعادة عندما يعملن مع نساء أخريات أو تحت إدارتهن، مقابل العمل مع الرجال. كما أظهرت الدراسة مدى التضييق الذي يقع على النساء في العمل لمجرد أنهن ثانويات وأقلية. ووجدت أنه عندما تكون المرأة أقلية في مكان عملها، تشهد مستويات أعلى من التضييق، وتختبر مشاعر سلبية.

لتوضيح ذلك أشارت الإحصائية إلى أن العمل في مهن يزيد فيها عدد الذكور على 90%، ترتفع معه الحالة السيئة للنساء بنسبة 52%، وذلك مقارنة بالعمل الذي يقل فيه عدد الذكور حتى 10%، حيث قلت المشاعر السلبية لدى النساء.

نساء في وظائف الرجال

يبدو أن وجود المرأة في مهن يغلب عليها الذكور يهدد الأفكار السائدة المتعلقة بالذكورة، ولوحظت في عينة الدراسة محاولات الرجال لتقييد هذا بالتحرش الجنسي بزميلاتهم، أو وصفهن بأنهن شاذات الجنس، أو لسن نساء كاملات.

وأكدت دراسة لفريق بحث من جامعة ميتشيجن أن هيمنة النوع الاجتماعي في أماكن العمل تفسح المجال لممارسات مثل التهديدات البدنية والتعليقات الجنسية ضد المرأة.

واعتمدت الدراسة على عينة من المجتمع الأميركي، ورغم أن النساء تشكل فيه نصف القوى العاملة تقريبًا، فإن فصل المهن على أساس الجنس لا يزال قائما.

وكان بعض التقدم تم إحرازه في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين لتقليل الفجوة بين الجنسين في مجال العمل، ونحو قطاعات أكثر تكاملًا، ولكن هذا التقدم توقف منذ منتصف التسعينيات، مما يعد تقاربًا بين الوضع في بيئة العالم العربية والأميركية.

وتقول سارة، وهي مذيعة شاركت في الدراسة؛ “طلب مني مديري الجديد تقديم بعض التنازلات الأخلاقية لرئيس قطاع داخل المؤسسة التي التحقت بها لتوي، وذلك من أجل تقييدي كموظفة تعمل بمقابل في نهاية الشهر، وإلا سأظل متدربة”.

وأكدت الدراسة أيضًا أن النساء يسمعن غالبا عبارات من زملائهن وهم يشككن في مدى أهليتهن لأداء “وظائف الرجال”، ويواجهن الصورة النمطية السلبية، ويواجهن أشكالا مختلفة من التهميش، والمعاملة غير العادلة؛ وهنا تحكي داليا عن أول يوم عمل لها في مكتب للأعمال الهندسية لا توجد به امرأة واحدة سواها، لم تشعر في البداية بشيء يدعو للقلق، ولكن مع الاجتماع الأول لفريق العمل شعرت بأنها منبوذة، فلا أحد يلتفت لها عندما تتحدث.

الرجل أوفر حظا من المرأة

يظل للرجال امتياز خاص كذكور داخل العمل بطرق مختلفة، مثل العمل في تخصصات ذكورية، وغالبًا تكون أعلى مرتبة في نوع المهمة، أو تولي منصب قيادي. ولا يعاني الرجال في مجتمعات العمل النسائية من التهميش؛ لأنهم يتلقون دعما قويا من المشرفين، والذين هم عادة رجال، ويتلقون ترحيبًا من زميلاتهم اللائي ينظرن للرجل الذي يدخل بينهن على أنه يرفع من قدر مهنتهن، لمهنة يعمل بها الرجال أيضًا.

وربما تؤكد استطلاعات الرأي إحدى نتائج الدراسة بأن مشاعر الرجال السلبية في العمل بالكاد قد تتغير مع التكوين الجنسي لمحيط العمل، فيظهر تأثر طفيف، معاكس لتأثر النساء تجاه زيادة أعداد الرجال، فتتراجع المشاعر السلبية عند الرجل مع سيطرة نظرائه على العمل، ولكنه كان تراجعًا طفيفًا، فربما تتوفر للرجل بعض الراحة في بيئة ذكورية، ولكنها تظل بيئة صعبة المنافسة لتساوي الفرص، عما لو كانت المنافسة بين ذكر وأنثى.