وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير المسلمين بتقوى الله بالسعي إلى مراضيه واجتناب معاصيه، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).

وعدّ فضيلته المسلمين النأي عن مجالسة العصاة ومخالطتهم واعتزال أماكنهم والبعد عن السفر معهم، دليل على بعد النظر ونور البصيرة، لافتاً الانتباه إلى لزوم الابتعاد عن مجالسة من يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان، محذراً من مصاحبة المفتونين، لاسيما الذين لا يملكون مخزوناً علمياً ومعرفياً جيداً، خصوصاً في أمور الدين، لأن ذلك يجعلهم صيداً سهلاً وعرضة للتغرير بهم وإفساد قلوبهم.

وشدّد على ضرورة التنبه لخطورة التساهل بالبقاء في مجالس بها منكر، لأن الواجب إنكار ذلك المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، مؤكداً أن الشراكة في الوزر ستكون عاقبة من كانت له قدرة على الإنكار ولم ينكر على المتجاوزين والعصاة الذين جاهروا بمعصيتهم ولوثوا مجالسهم بالمعصية والإثم، مذكراً بأن الله أتاح لمن تعذر عليه الإنكار ترك المجلس ومفارقته بل يجب عليه ذلك، قال تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ? إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ? إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا).

وأشار الشيخ البدير إلى مقولةٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد: “لا يجوز لأحد أن يحضر مجالس المنكر باختياره لغير ضرورة، كما في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالخَمْرِ)، ورفع لعمر بن عبدالعزيز قوم يشربون الخمر فأمر بجلدهم فقيل له: إن فيهم صائماً، فقال: ابدأوا به، أما سمعتم الله يقول: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ).

وبين فضيلته أن من دعي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر لم يجز حضورها؛ وذلك أن الله تعالى قد أمرنا بإنكار المنكر بحسب الإمكان فمن حضر باختياره ولم ينكره فقد عصى الله ورسوله بترك ما أمره به من بغض إنكاره والنهي عنه، وإذا كان كذلك فهذا الذي يحضر مجالس الخفر باختياره من غير ضرورة ولا ينكر المنكر كما أمره الله هو شريك الفساق في فسقهم فيلحق بهم.

ودعا المسلمون بألا يكثروا سواد أهل البدع والباطل والمعصية وألا يكونوا يوماً في عديد أصحاب الفتنة والمفسدين، مستشهداً بقول ابن عباس رضي الله عنهما أن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله فأنزل الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم).

وقال الشيخ البدير: إن حضور مسلمٍ لمجالس المنكر استئناساً بأهلها وفرحاً بأفعالهم، أو رضيها أو دعا إليها أو أيدها، ومثلها المواقع العنكبوتية المشبوهة، والصفحات الخبيثة، والمواقع الإباحية، والمواقع المعادية لديننا وعقيدتنا وأخلاقنا وبلادنا وأظهر لها علامة الرضا والتأييد فقد كثر في سوادهم وصار من عدادهم.

ونبّه فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين من قبول فتاوى المتساهلين وأنصاف المتفقهين الذين يفتون بلا إيقان ولا إتقان ويميلون إلى طرف الانحلال بدعوى التيسير والوسطية والاعتدال، ومن أظهر المعصية وجاهر بها فقد أغضب ربه وهتك ستره واستخف بعقوبته وآذى عباد الله المؤمنين.