قدم الدكتور روبرت كابلان، الخبير الدولي في مجال الاستراتيجية وإدارة الأداء، نموذجاً جديداً للنمو الشامل يتطلب تولي الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في السعودية لأدوار جديدة. فجميع هذه الأطراف الفاعلة بحاجة إلى مواصلة العمل معاً في إطار من التعاون من أجل تحقيق التنمية المستدامة والتغلب على التحديات الاقتصادية مثل انخفاض الكفاءة والبطالة والفقر.

وبين البروفيسور كابلان الاستاذ في كلية هارفارد للأعمال و أحد مؤسسي بطاقة الأداء المتوازن ومنهجية التميز في التنفيذ للإستراتيجية، وهو أيضا أحد مؤسسي شركة بلاديوم للاستشارات الإستراتيجية التنفيذية والتنموية، أن رؤية 2030 توفر للمملكة العربية السعودية والقطاع الخاص فرصة فريدة لتحقيق نمو غير مسبوق وتحويل التوازن الاقتصادي غير الفعال إلى نُظم مدرة للربح وقيمة اجتماعياً ومستدامة.

وقدم البروفيسور كابلان خلال محاضرة على هامش أعمال المؤتمر الدولي للتمور الذي تنظمه وزارة البيئة والمياه والزراعة والمركز الوطني للنخيل والتمور برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وبمشاركة 16 دولة ومنظمة عالمية، وعدد من أصحاب المعالي وزراء الزراعة والبيئة ونخبة من المختصين والخبراء، وبحضور عدد كبير من المهنيين من القطاع الخاص والجهات الحكومية، شرحاً للخطوات اللازمة لتحقيق النجاح في تطبيق هذه النظم المستدامة الرامية لتحقيق النمو الشامل من خلال تعظيم الموارد وتحديد أدوار مختلف الأطراف ودمجهم في توازن جديد يدعم عناصره بصورة أكثر مثالية.

وتتمثل الخطوة الأولى في تحديد المشاريع ” الفرصة ” التي تدر منافع اقتصادية وتحقق في الوقت ذاته مكاسب اجتماعية واقتصادية لجميع الأطراف المشاركة في المنظومة. وتتطلب هذه المشاريع استثمارات متنوعة من مختلف الأطراف المعنية لضمان قدرتها على التوسع إلى مجتمعات ومناطق أخرى. فيما تتمثل الخطوة الثانية في هذه العملية توفير التمويل الأولي من المؤسسات الخاصة وهيئات الإغاثة والمستثمرين وصناديق الاستثمار الخاصة، إضافة إلى المنح والاستثمارات المتعلقة بالبرامج والاستثمارات الموجهة. وتتمثل الخطوة الثالثة في تأسيس وتفعيل نظام للحوكمة والرقابة يُدار من خلال منهجيات أثبتت جدواها مثل Execution Premium XPP ™ (منهجية التميز في التنفيذ) ومخططات الاستراتيجيات بغية تعزيز تماسك المنظومة عن طريق خلق توافق في الآراء وتحقيق الالتزام ووضع جدول أعمال مشترك بين فرق القيادة التنفيذية في الشركة أو هيئة القطاع العام أو المنظمة غير الحكومية.

ووفقاً لما ذكره الدكتور كابلان، فمن بين العوامل بالغة الأهمية في نجاح أي من منظومات النمو الشامل هو إيجاد ” محفز محوري للمشاريع ” تلعب دور مكتب إدارة الاستراتيجية. ويمكن أن تكون هذه الجهة الداعمة لجنة حكومية رفيعة المستوى أو هيئة استشارية خبيرة يتمثل دورها في تحديد ودعم الوسطاء الرئيسيين الذين يقومون بربط المؤسسات المحلية بمجتمعات الموردين والموظفين والعملاء. كما تكون الجهة الداعمة مسؤولة عن مساعدة الوسطاء في الحصول على الاعتمادات الحكومية اللازمة للوصول إلى الأموال المقدمة من البرامج الائتمانية والتأمينية والعامة، وترسيخ القواعد الأساسية للاقتصاد المستدام بين المسؤولين الرسميين في المجتمع وسكانه والوسطاء والأطراف الأخرى في المنظومة.

ومن بين أفضل الممارسات الدولية العديدة التي استعرضها الدكتور كابلان تعزيز سلسلة توريد الذرة في أوغندا عن طريق بناء الصلات بين مزارعي الذرة والشركات العميلة. وتمثل الدور الذي اضطلعت به بلاديوم، بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في تحديد مختلف الأطراف الفاعلة في سلسلة التوريد، وإعادة ترتيب مواقعهم في منظومة جديدة حُققت فيها قيمة مشتركة. وكانت النتائج مشجعة لجميع الأطراف: حيث ارتفع دخل الأسر المعيشية لمزارعي الذرة إلى 100%، وزادت غلة المحصول إلى 65%، وتحققت زيادة بلغت 30% في متوسط سعر طن الذرة.

وتتناول جلسات المؤتمر الدولي للتمور الذي تنظمه وزارة البيئة والمياه والزراعة خلال يومَي الأربعاء والخميس دور الحكومات والمنظمات الدولية في التكامل الاقتصادي والمعرفي لتطوير قطاع النخيل والتمور، والنمو الشامل لصناعات التمور وسبل تحقيقها، كما يستعرض مسؤولون وخبراء فرص الاستثمار في البنى التحتية لقطاع النخيل والتمور، ودور الابتكار في تسريع تطوير قطاع الزراعة والأغذية.

وأكّد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة للزراعة المهندس أحمد بن صالح العيادة أن المؤتمر سيشهد توقيع عدد من الاتفاقيات التي من شأنها دعم كفاءة وجودة زراعة التمور بين الجهات المشاركة، كما سيتضمّن ورش عمل متخصصة لخبراء، وأصحاب تجارب نموذجية في إنتاج التمور وتصديرها، إلى جانب جمع مصدري ومستوردي التمور في العالم لمناقشة قضاياهم وتطوير العلاقات بحضور المسؤولين من مختلف القطاعات المعنية.

ولفت المهندس العيادة إلى أن جلسات المؤتمر تتركّز على فهم حاجات المستهلكين محلياً وعالميا للوصول إلى أسواق جديدة عبر دراسة وتحليل لسلوك المستهلكين المتنوّع والمتفاوت بين بلدٍ وآخر، وفي هذا الإطار سيتيح المؤتمر الفرصة أمام أصحاب التجارب الناجحة في إنتاج وتسويق التمور عالمياً للتعريف بآليات عملهم، فضلاً عن معايير الممارسات الزراعية الجيدة وتقنيات ترشيد استهلاك المياه.

ويأتي المؤتمر الدولي للتمور في إطار تأسيس منصة إقليمية ودولية للتكامل بغرض الوصول إلى تنمية الفرص بين أطراف هذه الصناعة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال التبادل التجاري والمعرفي، كما يعدّ خطوة عملية لتعظيم القدرات الاستثمارية والثروات الكامنة في قطاع التمور بما يحقق تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدته.