تحدث الكاتب السعودي محمد المزيني عن قصة حب معلمته الإنجليزية في بريطانيا لصوت آذان الفجر، وكيفية استمتاعها به حيث قالت لهم ذات مرة أن صوت الآذان يمنحها الشعور بالسعادة والسكينة.

وروى الكاتب في مقاله : ” فقدت الأذان “…هذا ما قالته معلمتنا الإنجليزية في بريطانيا ” كريس ” بكل رباطة جأش وثقة، إجابة لسؤال زميل فرنسي عما استأنست به في دمشق، إبان عملها هناك وفقدته هنا في بريطانيا، وكي تبدد تلك الدهشة البادية على وجوه الأوروبيين والبرازيليين والصينيين قبل المسلمين زملاء الصف، أضافت قائلة: ” كان الأذان يمنحني استشعاراً بالحياة بما يدخل السعادة ومعها السكينة إلى روحي، الأذان أصبح في حياتي ،لم أفوت وقتاً من الأوقات من دون أن أستمع فيه للأذان، كنت أصحو فجراً على صوت الأذان، كان بمثابة المنبه الرفيق بي “.

وأضاف الكاتب : ” سألها زميل عربي: ألم تفكري بدخول الإسلام؟ أجابت: ” لم أفكر قط، لأننا كلنا نصل إلى الله بطرق مختلفة “، مستكملا : ” المعلمة كريس اختصرت معاني كثيرة في كلمات قليلة، وهي لم تقرأ الحرب الضروس التي خاضها مصطفى كمال لانتزاع تركيا من أحضان التعاليم العربية لأجل إقامة وتد القومية التركية على أنقاض الهوية العربية، مستعيضاً عن الأذان باللغة العربية بالأذان باللغة التركية “.

وتابع: ” الجهل يمنح بعض المتشدقين آراء فارغة، تحاول انتزاع الحقائق الثابتة المغروسة في أرواح الناس والتلاعب بها فقط لتحقيق غايات خاصة، وأسوأ تلك الغايات المستبطنة للانتقام الذي تسوقه دوافع نفسية صنعتها تجارب سابقة مع بعضهم، لتعمم الخصومة مع الكل وتأخذ أبعاداً قيمية، ليسهل التلبيس على الناس واقتيادهم إلى حمأة صراع حول الأسس، ولاسيما تلك المتعلقة بالهوية، ومنها الأذان، الذي يفتخر به العرب قبل غيرهم أن لغتهم تصدح، عبر مكبرات الصوت، في كل أقطار العالم “.

واستكمل : ” مدرسة الجهل المتفشية في بعض أقطارنا العربية تحاول وأد الهوية الحقيقية للأمة بادعاء علماني لا يمت إلى الوعي العلماني الحقيقي بصلة، متجاوزين بذلك المدرسة الأتاتوركية نفسها التي مجدت اللغة التركية على حساب العربية، فكانت نموذجاً تاريخياً لتتريك الدين الإسلامي، من خلال حظر استخدام اللغة العربية ومعها الحروف العربية، وتبديل لغة الأذان إلى اللغة التركية بقرار صارم عام 1938، وفي 1950 أصبح يرفع باللغة العربية بقرار حاسم من رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، الذي ذهب لاحقاً ضحية هذا القرار وقرارت أخرى، بإعدامه شنقاً بعد ذلك بـ10 سنين، ولكي يفهم مدّعو العلمانية الجوفاء خالية الوفاض من أي معنى للعلمانية، فإن مندريس لم يعلن في أي من الإجراءات أنه كان إسلامياً أو مؤيداً للإسلاميين، بل على العكس من ذلك، وضع تركيا في قلب العالم الغربي، حينما انضمت تركيا في عهده إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أن ذلك لم يشفع له، وكانت كلمته الأخيرة قبل إعدامه: “في تلك اللحظة التي أنا فيها على وشك مفارقة الحياة، أتمنى السعادة الأبدية للدولة والأمة “.

واستدرج : ” لم يعلم أو لم يدرك أصحاب مدرسة فلسفة الجهل أن ثمة أرواحاً أزهقت فقط لأنها حاولت استعادة الهوية الشعائرية الدينية باللغة العربية، لم يدرك هؤلاء أن الصفة العربية في بعدها الأممي موجودة ومكرسة في كل دول العالم، وأنه تحديداً تتجه بوصلته إلى مكة المكرمة.. العلمانيون الحقيقيون لم يروا بأسا في الأذان، وقد يطرأ قريباً بعض التعديلات على القوانين الغربية لتسمح للمساجد هناك بأن تصدح بالأذان عبر المكبرات الصوتية، بوصفه حقاً قانونياً يدخل في ما يسمى بـحرية الأديان، مثله مثل نواقيس الكنائس، ليظل الصوت الأعلى في كل دول العالم هو الأذان “.
الآذان، كاتب صحفي، مقال