رحل عنا المغفور له بإذن الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن ناصر السبيعي أحد أبرز رجال العمل الخيري في السعودية، تاركاً سيرة عطرة مليئة بالبذل والعطاء والاعتماد على الذات ومواجهة الظروف القاسية منذ ولادته وحتى وفاته.

محمد السبيعي يعتبر أحد النماذج المشرقة في تاريخ العمل الخيري السعودي، فهو من أوائل التجار الذين أولو االعمل الخيري اهتماماً بالغاًًًًً، وبعد أن كان العمل الخيري محصوراً في مساعدة بعض الفقراء والمساكين من الاقارب والمعارف أنشأ مؤسسة خاصة بالعمل الخيري مع شقيقة عبدالله رفيق دربه وكانت ميلاد “مؤسسة محمد وعبدالله السبيعي الخيرية” والتي نفذت أعمالاً خيريه كثيرة و كبيرة وساهمت في دعم ملايين الفقراء والمساكين والمحتاجين داخل السعودية وخارجها،وهو صرح خيري لا يزال عطائه متواصلاً حتى بعد رحيله .

قرأ السبيعي الذي عانى من اليتم وهو صغيراً عندما فقد والده ولاحقاً والدته نصف القران الكريم في عنيزة على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ، ثم انتقل الى مكة المكرمة بحثاً عن العمل وحرص على الالتحاق بمدرسة الفلاح في مكة المكرمة، اذ أنها كانت المدرسة الوحيدة في مكة، لكن عمه ناصر ابان له بأن دوام المدرسة مختلفاً عن الكتاب وتحتاج إلى أغلب اليوم للدراسة،

ما منعه من مواصلة الدراسة حتى لا تؤثر على عمله في المحل التجاري الذي يملكة وكان يساعده محمد السبيعي، ومنها بدأ عالم الاعمال والوظيفة، إذ عمل علي جلب المياه لمنزل عمه مقابل أجر زهيد، وبعدها باشر عمله بالبناء ثم اولى الوظائف بقصر الملك عبدالعزيز رحمه الله .

في وظيفة مشرف عمال بمرتب ريال مجيدي واحد في اليوم، وخلال تلك الفترة تعلم القيادة والخياطة لكنه لم يستطع شراء ماكينة خياطة لارْتِفَاع سعرها، كما عمل دلالاً لبيع السجاد من خلال الطواف بالشوارع، وفي العام 1349هـ عمل في وظيفة حُكُومِيّة بمسمى (مفتش طريق) براتب 30 ريالاً، إِضَافَةً إلى المأكل والمشرب والمسكن، وهي الفترة التي أحضر فيها والدته وأخاه عبدالله للإِقَامَة معه في مكة المكرمة.

عاد الحنين بمحمد السبيعي للتجارة فترك الوظيفة وشارك سليمان بن غنيم، أحد تجار مَكَّة في دكانه بمكة المكرمة إذ رغب
بن غنيم في زيارة اهله بالشرقية، وكان يعمل بتجارة القماش والعقل والقطر، واستمرت الشراكة بعد النجاح الكبير الذي حققه، وقرر ابن غنيم أن يبقي شريكه في مَكَّة وأن ينتقل هو إلى الرياض، ما جعل محمد إبراهيم يستدعي أخاه عبدالله للشراكة التي كانت بدايتهما، وحققت نجاحات باهره حتى تاريخ اليوم وتوجت بتاسيس بنك البلاد الحلم الذي ظل يراود محمد السبيعي منذ بدايات عمله ف الصيرفة.

اعتمد محمد السبيعي علي نفسه بعصامية فريدة وبدأ حياته من الصفر وكافح واجتهد وتلقى الصعاب والمشاق لكي يوفر لقمة العيش لأمه وأخيه عبدالله ، وكان حريصاً على بث تجربته لجيل الشباب ويشجعهم ويدعمهم، ويمكن ملاحظة ذلك في بعض ابيات شعره التي كان ينظمها بين الحين والأخر .

يالشباب الطامح أخذ العلم عني ..
علم أوكد من سهيل بن اليماني ..
يالشباب الناهض اخذ الشور مني ..
شور منهو في محبتك متفاني ..

ظل السبيعي قريباً من المحتاجين و الفقراء متلمساً لحاجاتهم، وكان ارتباطه بالعمل الخيري – قبل تأسيس مؤسسة محمد وعبدالله السبيعي الخيرية – يقوم على علاقة فردية بينه وبين المستحقين للبر ، وكان يباشر أعماله الخيرية المتعددة بنفسه ولا سيما تلك التي ترتبط بتجارته من إخراج الزكاة، والالتزامات الخيرية المتنوعة التي كان يقوم بها برفقة شقيقة عبدالله السبيعي على نحو مباشر، وتوجا جهودهما في العمل الخيري بانشاء مؤسستهما الخيرية.

بوفاة رجل الأَعْمَال والعمل الخيري محمد إبراهيم السبيعي، فقد القطاع الخيري في السعودية واحداً من أبرز رجاله وداعميه ومسانديه، فقد عرف “السبيعي” بأَعْمَال البر والخير، الى جانب اهتماماته الادبية والثقافية والتي تؤكدها العديد من الكتب التي نشرها في مجالات عدة.
رحل محمد السبيعي بعد أن ترك للشباب السعودية قصة حياة حافلة مليئة بالدروس والعبر وتحقيق النجاح رغم الظروف الصعبة والعوائق الكبيرة التي واجهته في بدايات حياته.

رحم الله رجل البر والاحسان الشيخ محمد ابراهيم السبيعي.