كُنا نُعاني وما نزال من الوصاية لدرجة أن هناك من يراها حقاً مشروعاً لا فكاك منه ، الوصاية بإسم الله وحُب الوطن هي العلة التي لو فتشنا عن أصلها لوجدناها فكرية جاهلية ونتائجها وخيمة على الفرد والمجتمع فالناس سيكونون نُسخ طبق الأصل من ذلك الذي يظن أنه المؤمن الوحيد على هذه الأرض وما سواه مُجرد عُصاه لولاه ما اهتدوا وساروا على الصراط المُستقيم ، المدينة الفاضلة لم توجد إلا بُمخيلة أفلاطون فلا يوجد مجتمع خالي من الأخطاء ولا يوجد مجتمع فاضل يعيش بلا ذنوب أو ممارساتِ خاطئة ، لكن هناك من يظن عكس ذلك يُريد من المجتمعات أن تكون مثالية كما يعتقد هو لا كما تعتقد هيّ يُريدها بلا عقل يُفكر ويختار يُريدها أجساد بلا أرواح وكيف يكون ذلك ؟
يكون ذلك بزرع أفكارِ ومعتقداتِ أيديولوجية بالعقل منذ نشئته فيتربى الفرد على تلك الأيديولوجيات ويكبر فتكبر معه وتُصبح فيما بعد معتقداتِ لا يقبل المساس بها أو تغييرها ومن يحاول الفكاك منها فإنه سيكون عُرضه للشتائم واستباحة العرض واهدار الدم والتكفير والاتهام بالزندقة التي قد لا يفهم معناها من يرمي بها غيره من بني جلدته ، لولا الأيديولوجية المتطرفة المتسترة بستار الدين والتدين ما وجد بيننا من يُحرم المُباحات ويتشدد في التحريم وكأن الدين قائمُ على التحريم وليس على التيسير والأصل في الأشياء الإباحة ، لا يُراعي من تأثر بالايديولوجية المتطرفة حاجات المجتمع وتغير الزمانِ والمكان ولا يُدرك أن هناك أمورُ خلافية بلغ فيها الخلاف مبلغاً كبيراً قبل أن يُصبح ذلك المُتأثر نطفة ، الخلل في العقل فعقل ذلك المؤدلج ليس سليماً لأن نشأته ليست سليمة فكل شيء من حوله مؤدلج بقدرة قادر ، هناك من فرض ايديولوجيته بشكلِ مباشر وغير مباشر فشكل حاجزاً كبيراً أمام التنوير وصوت العقل ذلك الحاجز لم يصمد طويلاً فقد انهار بعدما أثرت فيه معاول التنوير لكن بقيت بقايا ستكون حجر عثره ومصدر قلق قد تطول فترة من الزمن ، المؤدلج يُريد حياة تُناسب تفكيره ومنطقه الأعوج يُريد حياة خالية من النساء العاملات المستقلات مالياً يريد حياة خالية من الفنون فهي “الفنون” تُصيبه بالجنون لأنها ترياق التخلف ومصل التطرف يريد حياة خالية من التعددية المُفضية للتعايش والتسامح فوجود تعددية يعني انحسار ايديولوجيته وسقوط سطوته ، يريد حياة جاهلية لا قيمة فيها للعقل والفرد وهذه لن تكون مهما حاول ذلك المؤدلج ومن معه لأن المجتمعات تؤمن بحريتها وحقوقها وتدافع عن كيانها ومستقبلها وترى أن القيمة الرئيسة للفرد تكمن في أحقية تقرير مصيره واختياره بلا قيود مُسبقة ، لا يروق للمؤدلج ما حدث من تحولاتِ عظيمة بالشارع السعودي في العامين الماضيين فأخذ يتخبط يمينةً ويسره لكنه اصطدم بحاجز الوعي فصراخه لم يعد مسموعاً بعد عقود من الهيمنة والكذب بإسم الدين تلك العقود التي كانت فيها قائمة المحرمات أكثر بكثير من قائمة المُباحات لن ينساها المجتمع السعودي فقد دفع ثمنها باهظاً من تنميته ووعيه وتاريخه وابناءه الذين ذهبوا ضحية لمقولة انفروا في سبيل الله ،  مع عدم النسيان لن تعود تلك العقود رغم وجود بقايا لذلك الفكر الذي لا يستحق الاستمرار لأن ضرره أكثر من نفعه ولكي يبقى محاصراً بزوايا ضيقه يجب تفعيل قاعدة إذا لم يعجبك شيئاً فتوارى عن الأنظار فسيل التغيير لن يتركك تعرقل طريقه سيجرفك وستصبح من الماضي عش بعيداً بفكرك وجسدك لتسلم ويسلم منك من اختطفت سنوات طويلة من أعمارهم فالزمن زمنهم وليس زمنك أيها الوصي فيما مضى من الزمن الأليم ..