لغتنا العربية تعد من أكثر اللغات انتشارا في العالم وهي لغة ارتبطت بالإسلام ارتباطا وثيقا وانتشرت بانتشاره وكان لها تأثيرها على كثير من اللغات وقد شرفها الله بأن تكون لغة القرآن ولغة الصلاة لذلك تلهج بكلماتها ألسن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها

اللغة العربية تنتمي إلى مجموعة اللغات السامية وقد ظهرت بداية في الجزيرة العربية ومن ثم انتشرت بانتشار الإسلام فمعظم الشعوب التي اعتنقت الإسلام صارت عربية اللسان خاصة بعدما قام الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بتعريب الدواوين فصارت العربية هي لغة الإدارة والحساب والمعاملات والمراسلات ومن ثم جاء العصر العباسي وانفتحت الثقافة العربية على ثقافات أخرى عالمية كالفارسية واليونانية وازدهرت الترجمة والعلوم والمعارف فصارت اللغة العربية هي لغة العلم والأدب فكتبت بها المصنفات المختلفة في كافة العلوم وظهرت المكتبات الضخمة التي احتوت هذه الكتب مثل مكتبة بغداد فغدت العربية لغة علمية عالمية حتى أن بعض مصطلحاتها لا زالت مستخدمة إلى الآن في الفلك والطب والرياضيات وغيرها من العلوم، ومع نهاية العصر العباسي مرت العربية بفترة من الانحدار والركود والانحسار خاصة بعد سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس وظل هذا الركود حتى العصر الحديث تحديدا القرن التاسع عشر الميلادي حيث انتعشت اللغة العربية انتعاشا كبيرا بسبب توفر أدوات الطباعة وبالتالي ظهور عدد من المدارس الأدبية في مصر ولبنان وفي المهجر الأمر الذي أدى إلى ظهور الكثير من المصنفات الأدبية والمعاجم اللغوية إضافة إلى ما طبع ونشر من كتب التراث مما أعاد للعربية حيويتها وازدهارها حتى يومنا هذا إلا أن هذا الازدهار ظل محصورا نوعا ما في مجال الأدب والعلوم النظرية أما الجانب العلمي والعملي فإن العربية ظلت متأخرة فيه حتى يومنا هذا، فعلى الرغم من نشاط حركات التعريب ونقل المصطلحات والأسماء العلمية إلى العربية إلا أن أغلب المعارف العلمية لا زالت تدرس في جامعاتنا العربية باللغة الإنجليزية.

العربية لغة ثرية ولها علومها المختلفة التي تحوي قواعدها وتحصر ألفاظها وتشرح معانيها وجمالياتها، من هذه العلوم النحو والصرف والبلاغة والمعاجم والعروض وغيرها وقد نشأت هذه العلوم وتطورت وصار لها مدارسها وعلومها ومصنفاتها المشهورة، وفي عصرنا الحاضر ازدهر ما يسمى بالتعريب والذي تعود نشأته إلى أيام الدولة الأموية، ويهدف إلى تحويل الأسماء العلمية والمصطلحات من لغتها الأم إلى العربية وهنا لا نعني الترجمة إنما إيجاد مقابلات عربية للمفاهيم والمصطلحات الجديدة على سبيل المثال الكمبيوتر تعريبه حاسوب الميكروسكوب تعريبه مجهر والتلسكوب تعريبه مرصد والراديو تعريبه مذياع .. إلخ، إلا أنه رغم تعريب الكثير من المفاهيم إلا أن أغلبها ما زال متداولا باسمه الأجنبي.

حقيقة أن اللغة العربية محفوظة بالقرآن ومن ثم بتراثها الفكري والثقافي وهو ما مكنها من الحفاظ على بنيتها وقواعدها فلم تدخلها أي تغييرات رغم احتكاكها بالعديد من اللغات والثقافات بل أن بعض المجتمعات العربية خضعت للإستعمار الأجنبي لفترات طويلة وبعض منها تعرضت فيها اللغة العربية إلى محاولات الطمس والاستبدال كما حدث في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي إلا أنها ظلت صامدة وقوية.

اللغة العربية تعاني من ظاهرة تسمى الثنائية اللغوية فالمجتمعات العربية تتكلم بلهجات عامية شتى بينما الفصحي تكاد أن تكون شبه غائبة نطقا إلا أنها لا زالت هي لغة الكتابة والتعليم في كل البلدان العربية، ومع ذلك فقد برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة غير صحية في لساننا العربي سواء الفصيح أو العامي حيث أصبح بعضنا يستخدم المصطلحات والألفاظ الأجنبية عند التحدث وبطريقة استعراضية وكأنها دليلا على الرقي والتحضر ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل تعداه إلى جوانب أخرى تتعلق بحياتنا اليومية منها تسمية المحلات التجارية وما شابهها بأسماء أجنبية بل وتسمية الأطفال بأسماء أجنبية وقد لا نفقه معناها ولكن استصغناها نطقا أو اخترناها تقليدا، وإنه ليثلج الصدر أن تنشر إدارة الأحوال المدنية في المملكة العربية السعودية قبل حوالي ثلاثة أعوام قائمة بخمسين اسما يمنع إطلاقها على المواليد الجدد أغلبها أجنبية وهو موقف قوي وجميل ينبه إلى ضرورة المحافظة على لغتنا وهويتنا وعدم الانجراف الغير مبرر في نقل الأسماء الأجنبية واستخدامها فالأولى أن نكون إيجابيين حتى في النقل والتقليد فلنقلد في العلم والعمل والابتكار وبالتالي نهتم باللغات الأجنبية كلغات للعلم ونقل المعارف ولا نربطها بالرقي والتحضر لمجرد النطق بألفاظها ونربط لغتنا العربية بالمستويات المتدنية تعليميا واجتماعيا وهو الأمر الذي يجعل البعض يحرص على تعليم أبنائه في الخارج لأجل إجادة اللغات الأجنبية أو في المدارس الخاصة كونها تهتم بتدريس هذه اللغات مثل الفرنسية والإنجليزية وبالتالي فإن هذه الظاهرة ستضع على المدى القريب نوعا من التمييز الاجتماعي خاصة إذا استخدمنا اللغات الأجنبية للاستعراض والتعبير عن الرقي الاجتماعي أو العلمي.

وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية والذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام أود أن أنوه إلى المسؤولية الملقاة على عواتقنا جميعا في المحافظة على لغتنا وتعزيز مكانتها وقيمتها في نفوسنا ونفوس أبنائنا فعلى الرغم من أن لغتنا العربية لا زالت هي لغة التعليم والإدارة إلا أن هناك قصور ملحوظ في الاهتمام بها وخاصة في وسائل الإعلام فلو نظرنا إلى القنوات الفضائية العربية سنجد أن البرامج الخاصة باللغة العربية تكاد أن تكون شبه غائبة رغم أنه من المفيد جدا وجود برامج تسلط الضوء على جمال لغتنا وشاعريتها وعلومها المختلفة .