حين نفتش بين ثنايا التأريخ نجد أن لهذا الوطن الذي نتنفس هواءه ونشرب ماءه ونستظل تحت سماه تأريخ ضاربٌ في القيمة والقدم، تأريخ ارتبط أولا بالعرب والعربية ومن ثم ارتبط بالإسلام كديانة سماوية عالمية

فعلى صحاري هذا الوطن ووديانه وجباله وسهوله وهضابه من نجد إلى الحجاز ومن الجنوب حتى تخوم العراق والشام تربعت قبائل العرب فهنا نصبت خيامها وشمخت نخيلها وسرحت أنعامها، فما من موطئ قدم على ثرى هذا الوطن العظيم إلا وله مع التأريخ حكاية

فهنا زمزم والحرم وحيث رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل

هنا أيام العرب وشعرهم وقوافلهم وأسواقهم..

هنا وطن الحكايات التي تناقلها الركبان وتناولها الندماء في الليالي المقمرة وضمتها كتب التأريخ والأدب..

هنا رحلة الشتاء والصيف وعكاظ والمعلقات..

هنا العشق العذري وعنترة وعبلة وكثير وعزة وقيس وليلى

هنا أمرؤ القيس وحاتم الطائي والسمؤال وطرفة بن العبد والأعشى والنابغة وغيرهم

هنا البسوس وداحس والغبراء و المهلهل وكليب والزير سالم وملاحم الفرسان الأوائل

هنا لغة العرب وشعرها ونثرها وشواهدها وشهودها

هنا مكارم الأخلاق والملاحم والبطولات والحصان العربي والإبل والسيوف

ومن وطن للعرب والعربية أراد الله لهذا البلد أن يكون وطنا روحيا للعالمين فاختص الله هذه الأرض أن تكون منبعا للرسالة فهنا ولد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام وهنا ترعرع وهنا تلقى الوحي وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فتوفى كذلك ودفن هنا، فشهدت الدنيا انبثاق أهم حدث في الوجود وهو مبعث النبي الخاتم برسالة الإسلام إلى الناس كافة.

إن أحداث مسيرة الإسلام العظيمة أكبر من أن تعد وتحصى وكان لهذه الأرض شرف احتضان وقائعها فهنا منبع هذا الدين العظيم ومنها انبثق إلى كل بقاع المعمورة، وهنا قبلة المسلمين التي يولون وجوههم شطرها، وقبل الوجوه تولي القلوب نبضها شوقا لهذه الديار المقدسة وتترجم ذلك بشد الرحال إليها لتأدية مناسك الحج والعمرة ولو مرة في العمر، فما من مسلم في مشارق الأرض أو مغاربها تتوفر لديه الإستطاعة إلا وتتوجب عليه هذه الرحلة الربانية إلى هذه الديار لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، فما أعظمه من شرف لهذا الوطن وكم نتشرف نحن بخدمة ضيوف الرحمن وهم يتقاطرون من كل فج عميق على مختلف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.

إن حب هذه الأرض ومعنى الارتباط بها ليس في قلوبنا وحدنا ولكن في قلب كل مسلم فهنا بعث نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام وكانت هذه الأرض مسرحا لكل أحداث سيرته العطرة حيث عانقت الأرض السماء وتنزلت الملائكة ووضعت الشريعة أسسها وأحكامها فانتشر الإسلام إلى كل بقاع الدنيا، لذلك حق لنا أن نفتخر بوجودنا على هذا الثرى الخالد وحق لنا أن نعتز بالانتماء لهذا الوطن العظيم وطن العروبة والإسلام.