الحمدُ لله الكبيرِ المتعالِ، المُنَزَّهِ عن النقصِ والزوالِ، المعبودِ عند الغدوِّ والآصالِ، منشئُ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً ﷺ خير الخلق والرجال، ورفع عنا الإصر والأغلال، ثم أمَّا بعد…

فإنه يطيبُ لي أنْ أتحدثَ عن فضل ومكانة المرأة في الإسلام؛ لأننا فعلاً ابتعدنا عن منهج الله، ومنهج رسوله ﷺ، خاصةً ونحن في هذه الأيام التي خرج علينا فيها من أقوال الجهلاء ما لا يخرج من أفواه أبي جهلٍ وغيره أيام عداوتهم للنبي ﷺ، فقد كان التبرج في الجاهلية أن يظهر جزءٌ من رقبة المرأة، وجزء من كعبها لا زيادة على ذلك، واليوم نرى العجب العُجاب، ممن يدعون أنفسهم بفلاسفة العصر، وكذبوا؛ لأنهم يريدون أن يفترسوا المرأةَ، فلأجل ذلك أردتُ في هذه الكلمات القادمة أنْ أُبيِّن مكانة وتكريم الإسلام للمرأة، فأستعين بالله قائلاً.

تكريم الإسلام للمرأة:
إن الإسلامَ يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقةٍ شبه متساويةٍ، وتهدفُ الشريعةُ الإسلاميةُ بشكلٍ عامٍ إلى غايةٍ متميزةٍ هي الحمايةُ، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويُبدي اهتماماً شديداً بضمانها، فالقرآنُ والسنةُ يحُضَّان على معاملة المرأة بعدلٍ ورِفقٍ وعَطفٍ. مما لا ريب فيه أن الإسلام رفعَ شأن المرأة في بلاد العرب وحَسَّنَ حالها، ومن صور تكريمها أيضاً قد نزلت سورة خاصة بهنَّ تسمى سورة النساء توضح فيها أحكام المواريث، وكيفية معاملة المرأة في حال نشوزها، وفي الجاهلية كانوا يقتلون البنات وهنَّ أحياء، ولمَّا جاء الإسلام حثَّ على تحريم وَأْد البنات، فقال عز وجل: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾[٨-٩ سورة التكوير ]، وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعدل، وقد حرَّم الله تعالى فيما يسمى بزواج المتعة حديثاً، وحَمْل الإماء على البغاء فيما سمَّاه القرآن الكريم، فقال عز وجل: ﴿ … وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[النور: ٣٣]، وذلك حرصاً على سلامة المرأة من المخاطر التي تتعرض لها في شخصها، والفتك بالمجتمع إذا سلكت هذا السبيل الذي نهي عنه ربنا، ونهي عنه نبيُّنا ﷺ.

من صور تكريم المرأة في الإسلام:
تكريم الإسلام للمرأة بكونها أماً:
لقد كرَّم الإسلام المرأة بكونها أُماً بأنْ أوصى الأبناء بحُسْن معاملة الآباء، وخاصةً الأم، فقد صوَّر القرآن الكريم هذا الأمر في تصويرٍ بليغٍ ومُعجزٍ في أكثر من موضعٍ، فقال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْ هُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [٢٣ سورة الاسراء].

تكريم الإسلام للمرأة بكونها زوجاً:
ومما يمكن أن يُذكر في هذا الموضع ما أوصى به رسول الله ﷺ في حجة الوداع، إذ أوصى بالنساء، فقال: [… فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله][ راوه السيوطي في الجامع الصغير].
وقال رسول الله ﷺ: [ إِنَّما النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ][راوه البخاري]. فقد جعلها الإسلام شقيقةً للرجل في كل أحواله وأفعاله، تشترك معه في تربية الأولاد، وتعمل على خدمتهم، واستقرار بيتهم، وباستقرار البيت بالزوجين يخرج بيتاً طيباً على الهدى النبوي، يساهم هذا البيت في بناء المجتمع، لذا يمكن أن يقال أنَّها نصف المجتمع، بل أكثر من نصفه، فالمرأةُ هي الأم، والزوجة، والبنت، والأخت.

تكريم الإسلام للمرأة بكونها طفلةً:
لمَّا جاء النبي ﷺ كرَّم الطفلة، وجعل لها حقوقاً وعليها واجبات، وحذَّر من قضية وأد البنات التي كانت منتشرةً في الجاهلية، فمنذ ظهر نور الإسلام إذ نزل القرآن الكريم متعجباً من هذه القضية، ومن عدم توريث البنات الذي نراه الآن في مجتمعاتنا المعاصرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

تكريم الإسلام للمرأة بكونها أرملةً:
لقد رفع رسول الله ﷺ قدر الذي يرعى شئون الأرملة إلى درجة لا يتخيلها أحد، ومن أفضل ما يمكن ذكره هنا قول النبي ﷺ [السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ أَو الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَار] [راوه البخاري]. فأيُّ فضلٍ وأيُّ عظمة هذه، ليس هذا إلا تكريماً وحفاظا على المرأة، فهي كالجوهرة في الإسلام، حيث يدافعُ عنها بكل قوةٍ وشجاعة.

تكريم الإسلام للمرأة بكونها أَمَةً:
إنَّ هناك ما هو أعجب من ذلك، وهو رحمته ﷺ بالإِمَاء، وهُنَّ الرقيق من النساء، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه إذ قال: [إنْ كَانَتْ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ ][راوه البخاري].
وأخيراً، أقول: إنَّ الإسلام قد رحم المرأة فأسقط عنها الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس رحمة بها لما تعانيه من أتعاب حال الدورة والنفاس مع أنَّ الصلاة لا تسقط عن الرجل بأي حال، إلا الصوم فله فيه الرخصة المعلومة.
• الإسلام رحم المرأة فأسقط عنها النفقة فلا تُنفق على ولدها ولا والديها ولا زوجها بل لا تنفق على نفسها هي، ويلزم زوجها بالنفقة عليها.
• الإسلام رحم المرأة فأسقط عنها حضور الجُمَع والجماعات لاشتغالها بزوجها وبيتها.
• الإسلام رحم المرأة فأوجب لها مهراً كاملاً يدفعه الزوج لمجرد الخلوة بها.
• الإسلام رحم المرأة فورثها من زوجها حتى لو مات بمجرد عقده عليها.
• الإسلام رحم المرأة فقال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك، تكريماً واعترافاً بحقها.
• الإسلام رحم المرأة فأسقط عنها فريضة الجهاد.

حقوق المرأة في الإسلام
وكانت عدد الزوجات لدى ظهور محمد منتًشرا انتشاًرا هائًلا، فلم يكن عربي ميسور إلا وتراه متزو ًجا ١٥ أو ٢٠ وأحيانًا ١٠٠ زوجة، وكانت المرأة محرومة من جميع الحقوق على الإطلاق وحالتهن لما يرثى لها، فلم يكن لها حق بالإرث عن زوجها أو أحد أقاربها من الرجال. وكانت عندهم عادة مقدسة معمول بها تخول الوالد حق التصرف ببناته كيفما يشاء، فكان يزوجها لشخص وهي رضيعة في المهد، فإذا بلغت سن الرشد لا تستطيع المعارضة. أما النبي محمد فإنه نادى في بدء ظهوره بضرورة إزالة تلك العادات الهمجية البربرية المتبعة مع النساء، وكان يتأثر أشد التأثر لحالة المرأة وما هي عليه من الانحطاط والامتهان ،ولم يكن فؤاده الرقيق يتألم و يتأثر أيضا لشيء مثلما يتأثر مما كان يراه في حالة المرأة السيئة المتروكة دون أقل اهتمام وليس لها عضد أو نصير، والمطلع على ما ورد في القرآن الكريم من الآيات البينات بشأن النساء لا يفتأ حتى يتقطع فؤاده ألما وجزعا لما تضمنته تلك الآيات من الكلام المؤثر. وقد خصصت في القرآن سورة طويلة للنساء معروفة بهذا الاسم، وهي تدل دلالة واضحة على الأهمية الكبرى التي أظهرها محمد بشأن مسألة المرأة، وتبتدئ تلك السورة بآية لم يكن ينتظر سماعها رجال العرب وعدوا ذكرها جرأة عظمى وهي: ﴿( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾)[١ سورة النساء]. إن كلمات هذه الآية اشتم منها العرب الوثنيون رائحة الاضطراب والثورة المقصود بها القضاء على سننهم وتقاليدهم وعاداتهم وأخلاقهم وأفكارهم وأفهامهم، ولكن إذا نظرنا إلى كلمات تلك الآية من وجهة أخرى نجد أنها توجه إلى العرب عبارات التوبيخ والملام المملوءة بالعار بالشنار، وتفهمهم أن الرجل والمرأة مخلوقان من نفس واحدة وأنهم متساويان.

المساواة بين المرأة والرجل في جزاء الآخرة:
لاشك أن كل مكلف يترقب ثوابه إن كان صالحاً والعقاب الأليم ينتظره إن كان مفرطا وتأتي آيات الكتاب لتقرير الثواب والعقاب للذكر والأنثى على حد سواء , يقول تعالى : ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ))(١٩٥ سورة آل عمران ). وقوله : ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)) (١٢٤ سورة النساء). وقوله : ((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))(٧٢ سورة التوبة). بل أمر رسول الله ﷺ أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات يقول تعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ))(١٩ سورة محمد). هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
– احمد اجايف .حقوق المرأة في الإسلام . الصفحة ١٨-١٩
– نوال بنت عبدالعزيز العيد. حقوق المرأة في ضوء السنه النبوية . الصفحة ٨٤-٨٥
– هاني علي عبدالعزيز أبو العلا. مكانة المرأة في الإسلام.
http://www.alukah.net/sharia/0/63319/